16 سبتمبر 2025
تسجيلالعام الثاني على التوالي، وفي نفس التوقيت من شهر أغسطس الحار، الرطب، برغم زخات مطر الخريف من حين لآخر، وبعد أن قدم نيشان حمزة أوراقه للجامعة الوطنية، وبدا أنه سيقبل هذه المرة، ويحقق طموحه في دراسة القانون ليصبح قاضيا، حدث ما زلزل استقراره وزلزل الطموح. كثيرون من معارفه وجيرانه في الحي المنسي، كانوا يتطفلون على رغبته، لماذا القانون بالذات يا نيشان، فيرد: حتى أحاكم سهلة ماشطة الشعر على تزييت شعر النساء. يقول ويضحك. كانوا في الحي ينظمون عدة حملات طوعية في وقت واحد، حملة للنظافة العامة، مقترحة من سكان لا يعرفون عن النظافة سوى اسمها، حملة ضد الإزعاع وكان يقودها مسعود الممرض، أكبر مزعجي الحي على الإطلاق، وسلموا نيشان آخر حملة لقيادتها وتوجيه أفرادها، إنها حملة استثنائية، ضد الحسد. من كان يحسد في حي فقير؟ وماذا يحسد؟ والناس يتساوون حتى في الإمساك والإسهال، وبروز فكي التعاسة والجوع. قدها فقط يا نيشان. وقادها ليكتشف وتكتشف معه البيوت الواطئة الطينية وبيوت الصفيح المشتتة بلا تناسق، أن كل الناس حساد وكلهم محسودون. هناك من يحسد آخر على ثوبه المغسول ويلمع بالنشا، ويحسده الآخر على سروال سليم، ليس فيه مزع ولا رقعة. من يحسد متسولا لأن له صوت مقبول يشد المتصدقين، ويحسده المتسول على الشعر الغزير، الذي ما زال يغلف رأسه. من كانت تحسد جارتها لأنها أوقدت نارا للطبخ، في ذلك اليوم، وتحسدها الجارة لأن لها ولد يتزحزح الآن في معاينات التجنيد، ويمكن أن يصبح عسكريا. كان نيشان منغرسا في الحملة، واخترع وجها جامدا، ومشاعر متصلدة، وسعى مع أفراد حملته، لغربلة النفوس بحدة، وإلغاء شعور الحسد من سكان حيه إلى الأبد. لن يحسد أحد أحدا هنا مرة أخرى، وإن كان لا بد من وجود شعور كهذا، فليكن عكسيا، أن يصبح السكان جميعهم محسودين، من غرباء لا يعرفهم الحي، ولن يعيشوا فيه. في العام الماضي داهمته أعراض غريبة، فسرها البسطاء بأنها قبيلة جن تناسلت داخله، وسعى بعض العاملين في مجال التطبيب بالتعاويذ، إلى إخراجها وأخفقوا، وحين أصبح خطرا حقيقة، يصنع دمى من القماش، يحشوها بالمتفجرات، ويلقيها على الناس في طرق العاصمة المحتشدة، أمسكوه، وانتهى مقيدا إلى سرير متآكل في مستشفى الأمراض النفسية. عولج بالحقن المهدئة، وجلسات الكهرباء الصاعقة، وأحب ممرضة اسمها ثريدة، كانت من بيئة شبيهة ببيئته، ومن قبيلة لها جذور أفريقية مثله. الممرضة خصته بعناية أكثر، كلمته عن نفسها وسمحت له بأن يحكي ما يود أن يحكيه، ولم تسكته في أي وقت. بدا أن نيشان قد تعافى، وسعى إلى وصال دائم بصديقة الذهول والحمى، بعد أن خرج .. كان يزورها في المستشفى، يرابط لها في الطرق التي تسلكها، ويتعلق معها في باصات المواصلات العامة، يحدثها طوال الطريق وتحدثه، وكم من مرة أقرضته مالا غير قابل للرد.