15 سبتمبر 2025
تسجيللا ينطقُ أحدٌ في دولِ الحصارِ إلا بتوجيهٍ من القياداتِ، فكلُّ الأمورِ مسيسةٌ فيها، من الدين إلى الإعلامِ والرياضةِ فالمشاعرِ الإنسانيةِ. ونكونُ مخطئينَ كثيراً إذا اعتقدنا للحظةٍ أنها تنطلقُ في ذلك من تخطيطٍ استراتيجى لصالحِ الخليجِ العربيِّ والأمةِ العربيةِ، لأنَّ سياساتها رعناءُ، قصيرةُ النظرِ، تحتقرُ العربَ والمسلمينَ، كما سنناقشُ في النقاطِ التالية: 1 - الحالة الشايلوكية: في مسرحيةِ: تاجر البندقيةِ لشكسبير، يستدينُ التاجرُ الشابُّ أنطونيو مبلغاً من المالِ من المرابي اليهودي شايلوك الذي وضعَ شرطاً ينصُّ على حقه باقتطاعِ رطلٍ من لحمِ أنطونيو إذا لم يسددِ الدينَ وفوائده في الموعدِ المحدد. وعندما حان موعدُ السدادِ، أصرَّ على اقتطاعِ رطلِ اللحمِ رغم أنَّ صديقاً لأنطونيو عرضَ عليه ضعفَ المبلغِ المطلوبِ. واليومَ، عندما نتابعُ ما ينشرُ حول صفقةِ القرنِ، نجدُ أنفسنا أمامَ حالةٍ شايلوكيةٍ عربيةٍ. فقد أقرضَ الكيانُ الصهيونيُّ السعوديةَ والإماراتِ وعوداً بالتحالفِ معهما مقابلَ قيامهما بالتعاونِ معه في اقتطاعِ جزءٍ من اللحمِ الحيِّ من جسدِ الإسلامِ والعروبةِ من خلالِ التخلي عن القدسِ الشريفِ والأقصى المباركِ للصهاينةِ. والمعضلةُ التي تواجهها قيادتا الدولتينِ أنهما تعلمانِ جيداً أنه ليس لهما قبولٌ في الشارعِ العربيِّ والإسلاميِّ، وأنهما خسرتا مكانتهما وتأثيرهما بسببِ سياساتهما الرعناءِ، لكنهما تصرانِ على إعطاءِ ما لا تملكانِ لمن لا تستحقُّ، ضاربينِ عرضَ الحائطِ بالإسلامِ والعروبةِ والإنسانيةِ. 2 - ذهبُ المعزِّ وسيفه: عندما دخلَ المعزُّ لدينِ اللهِ الفاطميُّ مصرَ، سنةَ 969م، سأله الناسُ عن نسبه وحسبه، فأشارَ إلى سيفه وقالَ: هذا نسبي، ثم نثرَ عليهم الذهبَ وقالَ: هذا حسبي. وهو يشيرُ في ذلك إلى أنَّ الناسَ نوعانِ: نوعٌ يُشترى بالمالِ، وآخرُ يُرهبُ بالقوةِ والاستبدادِ. وهذا المبدأُ هو الأساسُ في سياساتِ دولِ الحصارِ، ففي مصرَ، كانَ المالُ ثمناً للانقلابِ على التجربةِ الديمقراطيةِ الوليدةِ، وفي ليبيا، كانَ الإرهابُ بالقوةِ العسكريةِ المأجورةِ سبيلاً لتبديدِ أحلامِ شعبها في دولةٍ حديثةٍ، وفي اليمنِ، كان المالُ والسيفُ طريقاً لتقسيمه وتدميره. أما في الأردن، فقد ساءَ الإماراتِ والسعوديةَ أنْ لا يتخلى الملكُ عبد الله الثاني عن القدسِ والأقصى، فحاولتا إخضاعَ الأردنَ بالتضييقِ الاقتصاديِّ على شعبه، ثم برشوته في قمةِ مكةَ المكرمةِ، لكنهما فشلتا لأنَّ في الدنيا أموراً لا تُباعُ ولا تُشترى، ولأنَّ بلادنا والكويتَ عملتا على مساعدته انطلاقاً من واجبهما القوميِّ والتزامهما بالحفاظِ على استقرارِ وتقدمِ أشقائهما العربِ والمسلمينَ. 3 - الظاهرةُ الآلُ شيخيةُ الدليميةُ : وجودُ أشخاصٍ كتركي آل الشيخ، وسعود القحطاني المعروف بدليم، هو ظاهرةٌ طبيعيةٌ جداً في أزمنةِ الانحطاطِ الحضاريِّ. ونحنُ لا نناقشهما بصورةٍ شخصيةٍ، فهما أقلُّ شأناً وثقافةً وأدباً ووعياً سياسياً من انشغالنا بترهاتهما وسفاهتهما، لكننا نتعاملُ معهما كناطقينِ بتوجهاتِ ورغباتِ القيادةِ السعوديةِ. فعندما تريدُ القيادةُ السعوديةُ التعبيرَ عن تخليها عن التزاماتها العربيةِ، فإنها تطلقُ تركي لينعقَ، مثلاً، ضد ترشيحِ المغربِ لاستضافةِ مونديال 2026م. وإذا أرادتْ إظهارَ عدم التزامها بالقانونِ الدوليِّ، فإنها تدفع بدليم لينعبَ كالبومِ معلناً إصرارَ المملكةِ على قرصنةِ قناة بي إن سبورت، وكأنه يعتقدُ أننا لم نزلْ نعيشُ في عصرِ داحسَ والغبراءِ، أو أنَّ العالمَ يخضعُ للأهواءِ المريضةِ لأمثاله. 4 - العدميةُ الاجتماعية: العدميةُ؛ مذهبٌ فلسفيٌّ يستندُ إلى الإلحادِ، ويقولُ إنَّ الفناءَ والعدمَ هما نهايةُ الوجودِ. ولو نظرنا إلى الساحةِ الإعلاميةِ والفنيةِ السعوديةِ فسنجدها تغصُّ بالعدميينَ الاجتماعيينَ الذين يؤمنونَ بالله على طريقتهم الخاصةِ، ويرونَ أنَّ الإسلامَ عاجزٌ عن تلبيةِ رغباتِ البشرِ في التحضرِ والتمدنِ. و هم، دائماً، يتحدثونَ عن تغييرِ المجتمعِ فكرياً وسلوكياً، لكنهم لا يجرؤونَ على الحديثِ عن إصلاحاتٍ تتيحُ للمواطنينَ قدراً من الحريةِ في التفكيرِ والتعبيرِ. وهؤلاءِ ظاهرةٌ جديرةٌ بالمتابعةِ ليس لأنهم مؤثرون، وإنما لأنهم يلعبونَ دوراً خطيراً في تشويه سمعةِ المملكةِ، وإضعافِ قوتها المعنويةِ عربياً وإسلامياً.