11 سبتمبر 2025

تسجيل

السودان وجنوبه.. أوان العافية

19 يونيو 2018

من الموضوعي تماماً أن يصبح السودان هو اللاعب الأساسي لإحلال السلام بدولة جنوب السوان عبر قبول أطراف الصراع وبمباركةٍ إقليميةٍ ودوليةٍ واسعة. ولقد ظلت القناعة الراسخة لدى أهل السودان في الجنوب والشمال أن السودان هو الأخبر بجنوب السودان، وبالتالي هو الأقدر على دفع الأطراف المتنازعة إلى استلهام النوايا الحسنة المفضية لسلام مستدامٍ تنعم به الدولة الوليدة. رغم تلك القناعة فقد ظلت الأطماع العالمية والإقليمية هي التي تحول بين السودان وذلك الدور طوال الفترة المنصرمة، وتعمق من معاناة الجنوب. وفيما عدا بعض النخب المخدرة الطوباوية الصخَّابة، وقليل من الكتاب العرب الأبعدين عن تفهم ما يجري في السودان، فيما عدا هؤلاء فقد تقبل أهل السودان جنوباً وشمالاً الانفصال بكامل القناعة الموضوعية المتعقلة على أنه الحل الوحيد الممكن. وطبيعي أن تبدأ العلاقة بين الدولتين شاجرة بالشكوك مثلما ألف العالم في الحالات المماثلة. غادر الجنوب ليكتشف أنه حصد السراب مما مناه الغرب بقيادة قوى الضغط الأمريكية. وتوالت الإحن في الجنوب من الحرب الأهلية الضروس وحتى المجاعة الطاحنة جراء توقف انتاج النفط. ووفق التقارير فقد سلم السودان الجنوب عشية انفصاله نفطاً يتجاوز معدل ضخه اليومي الأربعمائة ألف برميل يومياً توقف جله إثر الحرب الأهلية. في غضون ذلك ظلت الحرب والمجاعة والانسداد تتمشى في أحراش الجنوب دون رادعٍ رغم مساعي منظمة إيقاد والاتحاد الأفريقي، فيما وقف الغرب متفرجاً بعد أن أكمل رسالته بإتمام الانفصال، بل إنه مضى قدماً في اتجاه فرض العقوبات على الجنوب ليسقيه من ذات الكأس التي عملت نخب الجنوب منذ قرنق على تجريعها للسودان. ومع حلول عام 2018 التفت الشطران لبعضهما البعض وإذا بأي منهما ينفتح إلى أنه ضالة الآخر؛ الجنوب المحاصر بالحرب والمجاعة والانسداد السياسي وانقلاب الغرب عليه يدرك أخيراً أن السودان هو الأخبر والأصدق والأقرب، والأكثر انتفاعاً بجنوبٍ مستقرٍ متصالح مزدهر، والسودان الذي أنهكت اقتصاده ويلات الحصار الاقتصادي، وانسحاب مورد نفط الجنوب، وزوال التحالفات جراء الشواجر الإقليمية ينظر فإذا بنفط الشطرين الذي منحته الاتفاقية للجنوب تيبس ضرعه جراء الحرب الأهلية في الجنوب. وإذا بتجارته البينية بحدوده الأطول مع الجنوب المعول على مواردها الضخمة مجمدة بفعل عدم استقرار الجار الجنوبي. وطبيعي أنها عودة الوعي للشطرين التي تجعل السودان يلتمس من الجميع سانحة أن ينهض بمهمة تصالح الجنوب وتجعل السودان أكثر مقبوليةً وثقةً لدى أهل الجنوب وحكامه، وما من شكٍ أن اتحاد افريقيا وهو المنظمة العالمية الثانية من حيث التماسك بعد الاتحاد الأوروبي يطمح في إطفاء الحريق وإسهام الجنوب بموارده الضخمة في نمو الإقليم عبر التعاون المثمر شاملاً السودان وأوغندا وكينيا وإثيوبيا والكونغو وكل المحيط الإقليمي. كما أن الغرب المثقل بإحنه لا يمانع في إسهام السودان في سلام الجنوب مسلحاً بخبرته تجاه رفقاء الأمس. أما الجوار الإقليمي فيكفي ترحيب كل من إثيوبيا وكينيا وأوغندا بدور السودان في إحلال السلام في الجنوب. وعلى ما يبدو فإن استضافة الخرطوم لمباحثات السلام تمثل الخطوة الأولى في تقديم السودان وجنوبه لنموذج مختلف ومغاير لمألوف البغضاء بين الدول التي انشطرت، وطبيعي أن تسهم العلاقات السوية بين شطري السودان في تعميق الأواصر الإستراتيجية بين السودان وإثيوبيا، كما أنها ستنعش الأمل في إحلال الوئام بين إثيوبيا وإرتيريا. ويبدو أن السودان الذي نظر لسلام الجنوب عبر بعده الأخلاقي وفق معيار الخيرية والغيرية كالعهد بقيم أهل السودان؛ والذي ظل يتمثل في راهن أوضاعه الاقتصادية: (ليت السحاب الذي عندي صواعقه). أدرك أن ضالته نحو التعافي الاقتصادي في عمقه الجنوبي خاصة والأفريقي عامة عوضاً عن البرق الخُلَّبِ والسحائب الجهام.