15 سبتمبر 2025

تسجيل

الإنكار على المخالف لا يبيح ظلمه ولا يستوجب هجره

19 يونيو 2012

يطلق الإنكار في اللغة على التغيير، يقول صاحب اللسان: "النكير اسم الإنكار الذى معناه التغيير، والنكير والإنكار تغيير المنكر". والمخالف: هو المضاد في الرأي. والخلاف: المضادة، وقد خالفه مخالفة وخلافاً. وفي المثل: إنما أنت خلاف الضبع الراكب. أي: تخالف خلاف الضبع؛ لأن الضبع إذا رأت الراكب هربت منه. وتَخَالَفَ القوم واخْتَلَفُوا: إذا ذهب كلّ واحد إلى خِلافِ ما ذهب إليه الآخر والظلم: هو التعدي عن الحق إلى الباطل وهو الجور. والهجر: ضد الوصل. والتهاجر: التقاطع. وفي الحديث: "لا هجرة بعد ثلاث" يعني فيما يكون بين المسلمين: من عتب، وموجدة، أو تقصير يقع في حقوق العشرة والصحبة". والمراد من العنوان أن الإنكار على المخالف في الدعوة إلى الله، لا ينبغي أن يحمل صاحبه على ظلم من خالفه كما لا يوجب عليه أن يهجره بسبب المخالفة، فلا تلازم بين الإنكار والهجر إلا إذا علم للهجر مصلحة دعوية تعقب الهجر، أكبر من المضرة التي تلحقه. إن الاختلاف سنة كونية قدرية باقية في الأرض بقيام أهلها، منه الممدوح ومنه المذموم والصواب والخطأ، ومنه الذى يندرج تحت اختلاف التنوع، والذى يندرج تحت اختلاف التضاد، وقد دلت الأدلة القاطعة من الكتاب والسنة على وجوده بين البشر، وأن الله قدر ذلك عليهم، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} فيبين الله أن الاختلافات سوف تظل لا يقضى فيها إلى الأجل وهذا مفهوم قوله: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}. وعليه فالاختلاف أمر قائم وسيظل موجوداً قدراً. قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} أي للاختلاف خلقهم، وهذا قول الحسن في رواية، وأيضاً رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقوله: (ولذلك) الإشارة فيها إلى الاختلاف المذكور في قوله: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}أي لرحمته خَلَقَهم. وهذا يعني أن الاختلاف أمر قدري. وعليه فالإنكار عليه وهجره أمر محكوم بضوابط شرعية لا يجوز تغافلها وهذا ما سنتعرض له في المقال القادم.