12 سبتمبر 2025

تسجيل

فلا تظلموا فيهن أنفسكم

19 مايو 2024

كان المشركون على ما بهم من انحراف عقدي، وما فيهم من ظلم اجتماعي؛ يعظمون الأشهر الحرم، حتى إن أحدهم ليتوقف عن أخذ حقه من الثأر من ظالمه تعظيما لهم، لذلك لم يتجسروا على تحليل القتال فيه بل عمدوا إلى تغيير مواقيتها وبدلوا تواريخها بما يتناسب وأهوائهم. هذا رجل بني كنانة يقال له (القلمس ) كان يأتي كل عام إلى الموسم على حمار له فيقول: أيها الناس: إني لا أعاب ولا أخاب، ولا مرد لما أقول، أنا قد حرمنا المحرم وأخرنا صفر! ثم يجيء العام المقبل بعده فيقول مثل مقالته، ويقول: إنا قد حرمنا صفر وأخرنا المحرم يفعلون ذلك (ليواطئوا عدة ما حرم اللّه فيحلوا ما حرم اللّه) من تأخير الأشهر الحرم، حتى حسم الإسلام ذلك فنزل قوله الله (إن عدة الشهور عند اللّه اثنا عشر شهراً في كتاب اللّه يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم. ذلك الدين القيم). بهذا رد الله معيار الزمن إلى طبيعة الكون التي فطره اللّه عليها، وإلى أصل الخلقة ووفق قانون الكون الثابت، وهذا ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم حين خطب في حجة الوداع بمنًى في أوسط أيام التشريق، فقال: يا أيها الناس، إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم، أوّلهن رجبُ مُضَر بين جمادى وشعبان، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. إلى أن قَالَ:...»فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ - قَالَ: وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ - عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلالا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، أَلَا هَلْ بَلَغْتُ؟ أَلَا لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ مِنْكُمْ، فَلَعَلَّ مَنْ يُبَلَّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ يَسْمَعُهُ) إن الظلم محرم لكنه في الأشهر الحرم أشد، لذا قال الله (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) والمظالم متنوعة فظلم الأخ لأخيه ظلم لنفسه، وخذلان المسلم لأخيه من ظلم النفس، والتفريط في حق الزوجة والأولاد ظلم للنفس، والتقصير عن تعليم الأولاد دينهم كذلك من ظلم النفس، ومرتع الظلم وخيم لذا من أراد الخير والتوفيق والحفظ والسداد فليعظم في هذا الشهر حرمات الله ﴿ ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ﴾ وتعظيم حرمات الله وحدوده يكون بالقلوب والأعمال والابتعاد من حماها، ومن أرتع قلبه وعينه فيها قادته للوقوع فِي الْحَرَامِ (كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ) كما أن تعظيم شعائر الله وحدوده سمة للمتقين؛ ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾. قال الإمام الطبري (لإن العمل الصالح مانع للإنسان من الانزلاق في مهاوي الظلم والظلمات ومساوئ الشهوات والشبهات، أعاذنا الله منها). ومن الأعمال الصالحة: استحباب الصوم فيها، يقول الإمام النووي (676هـ) رحمه الله: “ومن الصوم المستحبّ صوم الأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، وأفضلها المحرم).