27 أكتوبر 2025
تسجيل(1) معركة الشَّقْحَب: عدما وصلت طلائع التتار إلى دمشق، سنة 699 هـ/ 1300م، فَرَّ معظمُ الأمراءِ وقادةِ الجيشِ، فهبَّ ابن تيمية لتثبيت الناس، ودعوتهم للصمود، وأرسل إلى سلطان مصر: الناصر قلاوون طالباً منه النجدة. واستجاب له السلطان، فقاد جيش مصر متوجهاً إلى دمشق التي وصلها في الثاني من رمضان، سنة 702 هـ/ 1303م، فخرج إليه الناس يستقبلونه، وفي مقدمتهم الشيخ الجليل أحمد بن تيمية، واستقبل الناصرُ قلاوون الشيخَ بالترحاب والإجلال، فلولاه لَاجتاح التتار دمشق وتوجهوا إلى مصر ثم إلى الديار المقدسة. و في السابع والعشرين من نفس الشهر، وقعت معركة الشَّقْحَبِ بين المسلمين والتتار، وشارك ابن تيمية فيها، والتف المسلمون حوله، يستمدون منه عزيمةً وإرادةً، فانتصروا، وبدأوا في تطهير الشام والعراق من فلول التتار. (2) حيٌّ رغم موته: سبعة قرونٍ مضت على وفاة الشيخ أحمد بن تيمية، رحمه الله، ولم يزل حياً في عقول وضمائر المسلمين، ولم يزل نفرٌ من المتثافقين والمغرضين يهاجمونه بشدةٍ، ويطعنون فيه، ويتهمونه بأنه الركيزة العقائدية للتطرف والإرهاب، رغم أن معظمهم لم يقرأوا كتبه، ولا اطَّلعوا على سيرته، وإنما يستندون في ادِّعاءاتهم إلى أقوال هذا أو ذاك من المبغضين للإسلام والمسلمين، مما يدفعنا للإجابة عن سؤالين محددين، هما لماذا بقي الشيخ حياً حتى اليوم؟، ولماذا هذا الهجوم الضاري عليه اليوم؟. (3) الفقيه المجاهد: لا يمكن أن نفهم السبب في الحملات على ابن تيمية إلا إذا عرفنا السبب في عدم قيام معظم المشايخ بالدفاع عنه بعدما قضوا أعمارهم و هم يستندون إلى نتاجه الفقهي، وهو أمرٌ لا نستغربه منهم لأن الأقنعة سقطت عن وجوههم خلال السنوات القلائل الماضية، وتبيَّنَ للجميع أنهم يجعلون طاعة وليِّ الأمر مُقَدَّمَةً على طاعة الله، ولو قام بارتكاب الكبائر جَهاراً، ويجعلون قُدسية القرآنِ الكريم مرهونةٌ بأن تكون سوره وآياته مُتماشيةً مع سياسات وليِّ الأمر. أما ابن تيمية، فلو كان حياً، اليومَ، لَما قَبِلَ بصفقة القرن، ولَخاطَبَ الناس يدعوهم لرفضها، ولذلك، تُشجع بعض الأنظمة على تشويه صورته لأنها تريد ترسيخ وجود العلماء الذين يطيعونها، ويَلوون الآيات والأحاديث لدعم سياساتها فقط. (4) الفقيه الحَداثيُّ: عندما نقول: مجتمعٌ إسلاميٌّ، فإننا نقصد أن الغالبية العظمى من أبنائه هم من المسلمين، و هم يتساوون مع غير المسلمين في الحقوق والواجبات، وجميعهم محكومون بالدستور والقانون المعمول بهما في الدولة. ولو عُدنا إلى ابن تيمية، فسنجده متقدماً على عصره في هذا المفهوم؛ إذ عرض عليه التتار إطلاق سراح الأسرى المسلمين فقط، فأصرَّ على إطلاق سراح غير المسلمين أيضاً، لأنهم أهل ذمة. وبمعنًى آخر، أن غير المسلمين هم مواطنون في الدولة، وما يجري على المسلمين يجري عليهم. وهذا ينفي مقولة العنصرية الدينية التي يرمونه بها. (5) الفقيه اللاتكفيري: نعلم جميعاً أن لفظة "التكفير" أصبحت أداةً لإرهاب المسلمين ليتخلوا عن شعورهم الديني البسيط بتميُّزهم. فالمسلمون يعتقدون جازمين أن {الدِّيْنَ عِنْد اللهِ الإِسْلامُ}، وأن الجهادَ مُقَيَّدٌ بردِّ العدوان عليهم، وأن من حقهم الارتكاز إلى الشريعة كمصدر رئيس من مصادر التشريع في دولهم. والمُلاحَظُ في الحملةِ ضد ابن تيمية أنها ترتكز على اقتطاع أجزاء من فتاواه عن سياقها، ودون البحث في الأسباب التاريخية التي دعت إليها. فقد كانت الأمةُ، أنذاك، مُهدَّدَةً بالتتار وبقايا الصليبيين، وكان بعض المسلمين وغير المسلمين يتعاملون معهم ضد أمتهم، فكان لابد من إظهار كفرهم بسبب خيانتهم. أما الجانب الآخر من فتاواه بشأن التكفير، فينبغي النظر إليها من زاويةٍ إيمانيةٍ بحتةٍ خاصةٍ بالرؤية العقائدية للمسلمين إلى أنفسهم كأمة، ولا ينبغي أن نسمح بتثاقف البعض بأنها سبب للعنف والإرهاب، لأن الشيخ الجليل لم يقم بقيادة المسلمين للفتكِ بسواهم، بعد الانتصار في معركة الشَّقْحَب، بل إن أجراس كنائس دمشق، وترانيم نصاراها، ومزامير يهودها، كانت تُجلجلُ مع تكبيرات المسلمين، وهم، جميعاً، يندفعون لاستقباله برفقة السلطان الناصر قلاوون عند بواباتها. إن هذا المشهد وحده يُبرِّؤه من أقاويل المتثاقفين والمغرضين الذين معظمهم باحثون عن الشهرة، ولاهثون وراء المال الحرام لبعض الأنظمة.