11 سبتمبر 2025

تسجيل

كلمات في التقوى

19 أبريل 2011

التقوى تلك الكلمة التي تناوبها الموافق والمخالف، والذكي والبليد، والمجتهد والخامل، فالمجتهد يعتمد عليها ويراها جزءاً من دينه والخامل يركن إليه مدعيا أن الأمر بالمشيئة التي لا ينفع مع العمل ولا يضرها الترك، شعاره: لا تدبر لك أمراً إن أولي التدبير هلكى حقق الأمر تجدنا نحن أولى بك منكَ وليست التقوى هكذا، إنها ليست مسبحة درويش مجردة من العمل العام، ولا عمامة متمشيخ غارق في الاوهام، ولا زاويةَ متعبد معتزل الناس. إنها علم وعمل، ودين ودنيا، وروح ومادة، وتخطيط وتنظيم، وتنمية وإنتاج، وإتقان وإحسان "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".. "إن الله كتب الإحسان على كل شيء". إن النبي صلى الله عليه وسلم حث على إتقان أي عمل يمارسه المسلم، ولو كان قتل وزغة. ففي الحديث: "من قتل وزغة في أول ضربة كتب له مائة حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة، (أي أقل من الأول) ومن قتلها في الضربة الإتقان فله كذا وكذا حسنة" أي أقل من الثاني. الإتقان مطلوب في أي عمل ولو كان تافهاً في نظر الناس. ومن حديث أبي هريرة أيضا: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره.. التقوى ههنا" ويشير إلى صدره ثلاث مرات.. "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه". التقوى اتهام النفس بالتقصير.. وهي الجد والاجتهاد للكمال أو القريب منه، فالتقي الحق من يتهم نفسه دائما بالتفريط في جنب الله، والتقصير في أداء الواجبات، ولا يسيطر على قلبه الغرور بالعمل والإعجاب بالنفس، بل هو دائما يخشى من سيئاته ألا تغفر، ويخاف على حسناته ألا تقبل، وقد بكى بعض الصالحين في مرضه بكاء شديداً، فقال بعض عواده: كيف تبكي؟ وأنت قد صمت وقمت، وجاهدت وتصدقت، وحججت واعتمرت، وعلّمت وذكرت؟ فقال: وما يدريني أن شيئا منها في ميزاني؟ وأنها مقبولة عند ربي؟ والله تعالى يقول: "إنما يتقبل الله من المتقين". ومحل التقوى ليس الأثر وإنما القلب، ولذا أضافها القرآن إليه فقال: "فإنها من تقوى القلوب"، وقال صلى الله عليه وسلم: "التقوى ههنا" وكررها ثلاثاً، وأشار إلى صدره.. والتقوى هي من مادّة (و ق ي) الّتي تدلّ على دفع شيء عن شيء بغيره، والعرب تقول: توقّه أي اجعل بينك وبينه حاجزاً كالوقاية ولن يصل العبد لهذه الدرجة التي جعل الله جزاءها الجنة كما أخبر هو بذاته جل شأنه حين قال: "وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" إلا بحفظ النّفس عمّا يؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتمّ ذلك بترك بعض المباحات، لما روي: الحلال بيّن والحرام بيّن، ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه، ولعلنا في المقال القادم بإذن الله نقف على بعض صفات أهل التقوى في القرآن الكريم، وما أعده الله لهم.