12 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالهيمنة على منطقة الخليج العربي أمنياً بعد الانسحاب البريطاني عام 1971-وما تبعه من سقوط نظام الشاه، وحروب وغزو واحتلال الكويت وتحريرها وانتشار القواعد الأمريكية، والنظام الأمني الخليجي يخضع للأحادية القطبية الأمريكية الواحدة. لكن يبدو أن ذلك الواقع قد يتغير إذا نجحت وساطة الصين الجريئة في منطقة الخليج العربي-وفي عقر دار منطقة نفوذ أمريكا الخالصة! يأتي ذلك في أعقاب مفاجأة اختراق مبادرة توسط الصين لحل الخلاف وجدولة إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بداية أثناء زيارة الرئيس الصيني تشي إلى السعودية وعقده قمم مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي في ديسمبر الماضي لتقريب وجهات النظر وإنهاء الخلاف بين السعودية وإيران بعد قطع العلاقات الدبلوماسية منذ عام 2016 وطرد السفير الإيراني والطاقم الدبلوماسي الإيراني وإغلاق البعثات الدبلوماسية الإيرانية على خلفية اقتحام السفارة والقنصلية العامة الإيرانية في طهران ومشهد بعد إعدام السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر. وتضامن دول مجلس التعاون الخليجي بتخفيض التمثيل الدبلوماسي، وبدء حرب باردة بين ضفتي الخليج تمددت من اليمن إلى لبنان ومن العراق إلى سوريا. إذا ما نجحت الوساطة الصينية بتحقيق أهدافها بمعادلة رابح-رابح لجميع الأطراف الثلاثة: الوسيط الصين والسعودية وإيران بالتزام إيران والسعودية ببنود عدم التدخل بشؤون الطرف الآخر واحترام السيادة، وعدم شن هجمات واعتداءات، وتفعيل الاتفاق الأمني بين البلدين لعام 2001-وبضمانة الثقل الصيني، بكونها الشريك التجاري الأول لكل من السعودية وإيران ودول مجلس التعاون الخليجي. حيث يذهب 90% من الاحتياجات من النفط والطاقة إلى آسيا. وذلك بعدما ما صارت الصين المستورد الأول للطاقة في العالم، ما يعزز فرص نجاح الاتفاق. ويحول الصين للاعب مؤثر وحليف جديد لدول مجلس التعاون الخليجي، ومستقبلاً في الأمن الخليجي. وهذا يكسر التفرد والاحتكار الأمني الأمريكي في الخليج، ويرسل رسالة لواشنطن بتعدد اللاعبين الدوليين في المنطقة. باتت الصين اليوم لاعباً مهماً ومؤثراً على المستوى الدولي بعد إعادة انتخاب الرئيس الصيني لفترة ثالثة وتاريخية، وتوثيق التحالف مع الرئيس الروسي بوتين بزيارة هي الأولى للرئيس الصيني تشي الأسبوع القادم منذ الحرب على أوكرانيا. وتملك الصين ثاني أكبر اقتصاد في النظام العالمي بعد الاقتصاد الأمريكي. كما تدعم الوساطة وتمدد الصين خليجياً، مشروعها العالمي العملاق الحزام والطريق الواحد (BRI) الذي يشمل عشرات الدول واستثمار 8 تريليونات دولار لربط النظام العالمي براً وبحراً. كما أن الانكفاء والتراجع الأمريكي عن منطقة الخليج، يشجع الصين على التمدد. تصنف الاستخبارات الأمريكية الصين، الطرف الوحيد الذي يملك أكثر الإمكانيات والقدرات لتشكل أكبر منافس ومهدد للزعامة والنفوذ الأمريكي العالمي بشتى المجالات منذ أكثر من عقد، لما تملكه من قدرات تكنولوجية واقتصادية وصناعية يجعلها قادرة على التمدد حتى في مناطق نفوذ الولايات المتحدة. وهكذا من ذلك المنطلق نستوعب مقاربة الصين الجديدة ودورها في منطقة الخليج العربي. لذلك نجاح الصين بهندسة واستضافة مباحثات افضت إلى اتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران خلال شهرين والتحضير لاجتماع وزيري خارجية السعودية وإيران، تهديد حقيق للتفرد الأمريكي. كما يُعد اختراقاً بالغ الأهمية للصين في الخليج العربي-التي تبقى تاريخياً وإستراتيجياً منطقة نفوذ خالصة للولايات المتحدة الأمريكية منذ سبعينيات القرن الماضي. بذلت الولايات المتحدة جهوداً كبيرة لمنع قوى كبرى وخاصة روسيا من الوصول إلى «مياه الخليج الدافئة» خاصة منذ إعلان الرئيس كارتر مبدأه عام 1980-هدد كارتر للمرة الأولى عن استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة العسكرية للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الخليج. وذلك بعد غزو واحتلال الاتحاد السوفيتي أفغانستان، والثورة الإسلامية في إيران. لذلك من المستغرب نجاح الصين، التي لم يُعرف عنها أي دور واهتمام بالوساطات الدبلوماسية، ودور عسكري في أزمات وحل النزاعات في الشرق الأوسط. والسؤال كيف نجحت الصين بالوساطة بين الخصمين اللدودين-السعودية وإيران بعد فشل خمس جولات بوساطة عراقية واستضافة سلطنة عمان كما تكشف جولات محادثات بين الطرفين خلال العامين الماضيين. فلماذا نجحت الصين؟ وهل يؤسس النجاح الدبلوماسي تهدئة الأوضاع وخفض حدة التوتر؟ وصولاً لما اقترحه الرئيس أوباما عام 2016 لمجلة ذي أتلانتيك باقتسام النفوذ بالمنطقة بين السعودية وإيران؟ أم نحن أمام فترة أصفها بفترة اختبار نوايا وبناء الثقة المفقودة بين القوتين الإقليميتين؟ وماذا عن الضمانة الصينية؟ والانعكاسات على أذرع ووكلاء إيران؟ بدءاً بالحوثيين في اليمن؟ وعلى فرص التوصل لاتفاق نووي جديد مع مجموعة (5+1(؟ وعلى فرص عمل عسكري إسرائيلي ضد إيران؟ وعلى التطبيع العربي مع إسرائيل؟ وعلى تعويم نظام الأسد بعد زيارات وتليين المواقف تجاه نظام الأسد، حليف إيران على خلفية الزلزال المدمر في شهر فبراير الماضي؟ يشبّه كيسنجر اختراق الصين لمنطقة الخليج مقر نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، باختراق الولايات المتحدة للتحالف بين روسيا والصين في سبعينيات القرن الماضي، بزيارة الصين واللعب على التناقضات. وهو شبيه بما يحدث اليوم بلعب الصين دور ضد نفوذ أمريكا في الخليج. هناك تفاؤل اليوم أن يساهم الاتفاق وبموافقة السعودية وإيران على خفض التصعيد والمواجهات المفتوحة. يؤكد ذلك ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال بتعهد إيران بالتوقف عن تزويد الحوثيين بالسلاح. ما يشكل نقطة فارقة تبنى من خلالها إيران الثقة وصولاً للتوصل لاتفاق ينهي المواجهة في اليمن. وينعكس إيجاباً على انتخاب رئيس توافقي في لبنان-قد يكون قائد الجيش اللبناني، وخفض التصعيد في سوريا. وربما الدفع لإعادة إحياء الاتفاق النووي ينهي حالة تصعيد وتهديد إسرائيل استهداف منشآت إيران النووية ويمنع انزلاق المنطقة نحو الهاوية!