18 سبتمبر 2025
تسجيلكم تتسارع الأيام لتنتشل من أعمارنا سنة تلو سنة، وتطوي الصفحات الزمنية بحلوها ومرها، حسناتنا وسيئاتنا، زخارفها وزينتها، فرحنا وحزننا، بالأمس كان رمضان وسويعات وأيام قليلة سنستقبله مجددًا، كلمح البصر ما بين رمضان الماضي واليوم، ما بين الراحل والقادم، كما هي دورة الحياة البشرية، تقبَّل الله من الجميع صيامه وقيامه ودعواته، مع قدومه سيتغير الروتين اليومي لحياتنا، وتشرق الأرض بنور ربها بالصيام والقيام والدعوات والرحمات من الله، رمضان يختلف عن باقي الشهور تصفد فيه أبواب الشياطين، يبحث في ضوئه عن الفقراء والمساكين للإفطار والزكاة والصدقات، وتمتلئ بيوت الله بالمصلين، والمجالس بالصائمين جو رباني يختلف، باختلاف استقبالنا له قياسا ما مضى من سباق ماراثوني قبل قدومه من تفنن في إعداد موائد الإفطار واستعراض الملابس الخاصة، والمسلسلات المتنوعة، في غياب المفهوم الرباني في بعض العقول البشرية، وكيفية الارتقاء مع هذا المفهوم السامي والاغتراف من نبعه، لتصفية ما يختلج النفس من المنغصات والمعاصي والآلام والشجون، والمقاطعة، من خلال المصالحة مع الله ومع الذات ومع الآخرين، والنظر للفقراء نظرة رحمة وعطاء وإنسانية وتفاعل مع ما يعانون به من جوع خاصة في الدول التي تعاني المجاعة والجفاف هل نحسن استقباله، ونستشعر قيمته ومعانيه، ويتبلور مفهومه الإيماني فيما بعد رحيله في حياتنا القادمة بنبذ ما يتعارض مع ديننا وقيمنا، هل تكون في قلوبنا للفقراء رحمة نستشعر يجوعهم وعيشهم وآلامهم أم ستبقى سلوكنا. التي طالما تنتقدها في محور الدوران والثبات بعد الإفطار، وبعد رحيله. رمضان له قدسيته، مدرسة إيمانية لتزكية النفس وإصلاح الخلل في الشخصية الإنسانية، لترتقي بها عن سلطان الغرائز والشهوات والمنكرات إلى عالم رباني يسمو بالإنسان إلى أعلى الدرجات الإيمانية. كم شغلتنا الدنيا عن الكثير من المفاهيم وغاب الوعي عن التفكر بالعقاب الرباني حين نمارس الظلم والعداء، حين نفرق بين الأجناس حسب اللون والقبيلة والمركز، حين نشمئز من الفقراء ونخضع للأغنياء الموسرين وأصحاب المراكز ولو وشحت قلوبهم بسواد الفساد والاستغلال، حين تكون القوة المركزية والقبلية سوطا لسلب مقدرات الآخرين وحقوقهم. ومن خلاله يمارس الكذب والنفاق والرياء وقول الزور، حين يهجر كتاب الله، وتخلو المساجد من المصلين، حين تتخذ المراقص والمسكرات مساحتها في مجتمعنا الإسلامي، وحكايات مؤلمة مشمئزة نعيش واقعها هل ستكون في ميزان المحاسبة الذاتية والمجتمعية قال تعالى في كتابه (ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ). سيحل رمضان ضيفًا سريعا على واقع أليم من الأحداث التي طالما مع بداية قدومه كل عام نأمل أن تنتهي ويحل السلام والأمن، وتصفو الأنفس من المشاحنات، والدول من الصراعات والنزاعات، لكن ما زالت حرب اليمن قائمة، ومخيمات اللاجئين السوريين ممتدة نتيجة التهجير والتشرد، والمستوطنات اليهودية في امتداد، والمجاعة والجفاف يسود أكثر المناطق المسلمة التي تقع تحت خط الفقر، والتطبيع مع العدو الإسرائيلي ميسرًا وهدفًا، ليتحقق الحلم الإسرائيلي. سيحل رمضان وسينتهي سريعا، وما زلنا نحلم ونتمنى بعد وداعه أن تخرج الشعوب الإسلامية من شرنقة الظلم والفساد والحروب والأنظمة الجائرة، لتتنفس هواء نقيا من العدالة والأمن والسلام والاستقرار في أوطانها… وكل عام والأمة الإسلامية بخير.