14 سبتمبر 2025
تسجيلالمعصية مكتوبة على بني آدم، لكن الناس أمامه على قسمين: الأول يستر نفسه ويسأل الله أن يعافيه، وهذا يرجى له المغفرة والأوبة، والثاني مجاهر بمعصيته، لا يتورع أن يفعلها أمام الناس أو يحكي عنها أمام العامة والخاصة، متغافلا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عليه). المعافاة من العافية والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنها تلحق أهل الستر، أما أهل المجاهرة فإنهم مستثنون من ذلك، وقد قال بعض العلماء: إن المقصود بالحديث كل أمتي يُترَكون في الغيبة إلا المجاهرين، والعفو بمعنى الترك، والمجاهر: هو الذي أظهر معصيته وكشف ما ستر الله عليه فيحدث به. يقول الإمام النووي رحمه الله: من جاهر بفسقه، أو بدعته، جاز ذكره بما جاهر به. والهدف من وراء ذلك تحذير الناس منه ومن شره، والأمر الآخر ردع له وزجر لعله يرتدع، إن الإسلام يريد الحفاظ بهذا التشريع على الفرد والمجتمع، وقد قال صلى الله عليه وسلم محذرا موضحا للناس الطريق الأقوم في الابتعاد عن المعاصي والطريق الواضح فيمن وقع في معصية فقال: (اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمن ألمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله) رواه الحاكم، وهو حديث صحيح. يقول الإمام النووي رحمه الله: يكره لمن ابتلي بمعصية أن يخبر غيره بها. زيادة في الكتمان إلا أن يكون سائلا عن حكم أو ملتمسا طريق نجاة.والهدف من تشديد العقوبة على المجاهرين: لأن في الجهر بالمعصية استخفاف بمن عُصِي وهو الله عز وجل، واستخفاف بحق رسوله صلى الله عليه وسلم، واستخفاف بصالحي المؤمنين، وإظهار العناد لأهل الطاعة ولمبدأ الطاعة، والمعاصي تذل أهلها، وهذا يذل نفسه ويفضحها في الدنيا قبل الآخرة.ثم إن في الجهر بالمعصية إظهار إعانة على إظهار الفاحشة بين الناس، لأن بعض من في قلبه مرض أو يريد إقامة معصية لا يقدم عليها في ظل مجتمع محافظ، فإذا وجد من يفعل ذلك جهارا نهارا من غير خوف ولا خجل تجرأ على فعله فانتشرت بذلك الفاحشة، وقد قال الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وهذا الذم والوعيد فيمن يحب إشاعة الفواحش، فكيف بمن يمارسها. إن أقل الآثار المترتبة على إشاعة الفاحشة والجهر بها : ظهور الفساد برا وبحرا، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في تفسير الآية: "بأن النقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي، قال أبو العالية: "من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة"، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: ((لَحَدٌّ يقام في الأرض أحبّ إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحاً)).نسأل الله أن يهدي شباب المسلمين وأن يقينا شر السوء وقول السوء وأهل السوء إنه جواد كريم والله الموفق.