28 أكتوبر 2025
تسجيلتذهب العديد من الدساتير إلى اشتراط سن محددة يجب أن يبلغها المرشح لرئاسة الدولة أو للحكم، فعلى سبيل المثال، تشترط دساتير كل من النمسا والبرازيل والهند وأمريكا ألا تقل سن المرشح عن 35 سنة، ويشترط دستور ألمانيا وتركيا ومصر بعد الثورة ألا تقل سنه عن 40 سنة ميلادية. إلا أننا لا نكاد نجد مثالاً على دستور يشترط الحد الأعلى لسن المرشح، بحيث يستبعد من تجاوزه عن دائرة المنافسة أو الترشيح لمنصب الرئاسة. ويعود سبب ذلك وفقاً لوجهة نظري إلى أمرين، أولهما أن هذه الدول إما أن تكون ذات أنظمة جمهورية حقيقية، أو ذات أنظمة ملكية دستورية. ففي الدول الجمهورية الحقيقية يعود عدم اشترط الحد الأعلى لسن الحاكم إلى تقيد فترة الرئاسة، فهي إما أن تكون لفترة واحدة فقط كتركيا على سبيل المثال، إذ ينتخب الرئيس لمدة سبع سنوات، أو تكون لفترة محددة يمكن أن يعاد انتخاب الرئيس فيها لمدة أخرى واحدة كحد أقصى كالولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي لا يمكن للشخص في هذه الجمهوريات أن يحكم مدى الحياة. وهنا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار كذلك أن عملية الترشيح للرئاسة يسبقها التوافق أو التنافس مبدئياً في دائرة الحزب قبل أن يتقدم أي منهم بمرشحه للرئاسة مما يجعل الرهان يقتصر على الجياد القوية والتي يتوقع فوزها، لذا نادراً ما يتقدم للمنافسة شخص يتجاوز السبعين من عمره. ففي أمريكا على سبيل المثال ومنذ نشأتها عام 1789 أي على مدار أكثر من مائتين وعشرين سنة وضمن قائمة بلغت 44 رئيساً لا نجد إلا رونالد ريجان من كان عمره يقترب من السبعين، وأغلب الرؤساء كانوا في الخمسينيات من أعمارهم عند ترشحهم للرئاسة، وتركوا البيت الأبيض قبل أن يصلوا إلى الخامسة والستين. أما في الدول الملكية الدستورية، فالملك لا يتولى سلطات حقيقية وجوهرية تؤثر في شؤون الدولة والحكم، فهو مجرد رمز يسود ولا يحكم ويتولى في الغالب وظائف شرفية واحتفالية. لذا فموضوع تحديد حد أعلى لسن الملك في الأنظمة الملكية الدستورية ليس ذا أهمية كبيرة، فلا نستغرب إذن أن تستمر إليزابيث الثانية ملكة على بريطانيا رغم بلوغها السابعة والثمانين من العمر. لكن لا شك أن الوضع في دول مجلس التعاون الخليجي مختلف تماماً عن الملكيات الدستورية، فالملك أو السلطان أو الأمير يتولى سلطات حقيقية ويمارس صلاحيات جوهرية وينفرد في اتخاذ قرارات دستورية مهمة وذات تأثير كبير في شؤون البلاد والعباد، لذا لا بد من إعادة النظر في ترك فضاء السن مفتوحاً. ولا نتحدث هنا عن توقيت فترة حكم الملك بمدد قصيرة كأربع أو خمس أو سبع سنوات كالأنظمة الجمهورية، إنما المقصد ينصرف إلى وضع حد أعلى لسن المرشح لولاية العهد وحد أعلى لسن الحاكم. إن الدراسات العلمية تثبت أن الشخص كلما تقدم في السن قل نشاطه وضعفت مناعته وكان عرضة لأمراض القلب وللجلطات والنزلات الشعبية وانخفاض نسبة الأوكسجين في الدم، وربما أصيب بالاكتئاب والزهايمر ومرض باركنسون وغيرها. كما أن الشخص في مرحلة الشيخوخة يكثر اعتماده على الآخرين، وكل ذلك بلا شك يؤثر تأثيراً بليغاً على ممارسة اختصاصاته. لذا نقترح أن يدرج في دساتير دول مجلس التعاون الخليجي نص يحدد الحد الأعلى لسن ولي العهد وحد أعلى لمباشرة الحاكم لاختصاصاته، كأن يكون هذا النص على سبيل المثال كما يلي: "لا تتجاوز سن ولي العهد عند تعيينه ستين عاماً ميلادية، وإذا بلغ ولي العهد سن الخامسة والسبعين دون أن يؤول الحكم إليه يفقد منصبه وتبدأ مباشرة إجراءات تعيين ولي عهد جديد للبلاد وفقاً لأحكام هذا الدستور. يعلن خلو منصب الملك عند وفاته أو إصابته بعجز كلي يمنعه من ممارسة مهامه أو عند بلوغه سن الخامسة والسبعين من عمره، وينادى بولي العهد ملكاً للبلاد وفقاً للأحكام والإجراءات الواردة في هذا الدستور".