17 سبتمبر 2025
تسجيلتشير أحدث أرقام مكتب الإحصاء الأمريكي إلى نجاح دول مجلس التعاون الخليجي وبصورة جماعية في تحويل العجز لفائض في السنة الماضية وذلك على خلفية تعزيز الصادرات النفطية. وبشكل أكثر تحديدا، تم تسجيل فائض قدره 10 مليارات دولار في السنة 2011 في مجال تجارة السلع بين الطرفين. في المقابل، حقق الجانب الأمريكي فائضا محدودا قدره 500 مليون دولار في المبادلات التجارية في 2010.وفي كل الأحوال، لا يعتبر الفائض الخليجي كبيرا قياسا بالنتائج النهائية للمبادلات التجارية الأمريكية للعام 2011 وذلك بالنظر لحجم العجز الكلي وقدره 737 مليار دولار. بمعنى آخر، شكل العجز التجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي واحدا ونصف الواحد في المائة من العجز التجاري الأمريكي. ولغرض المقارنة لا أكثر، تبين أن الصين مسؤولة عن التسبب بنحو 296 مليار دولار أي 40 في المائة من العجز التجاري للولايات المتحدة في السنة نفسها. وهذا يفسر جانبا من تكرار ظاهرة الاتهامات التي توجهها واشنطن إلى بكين بالتركيز على التصدير وليس الاستيراد وهي حجج لا يمكن دحضها بسهولة. حقيقة القول: لولا العلاقة التجارية مع الإمارات لكان العجز التجاري الأمريكي مع دول الخليج أعلى من الرقم المشار إليه. فحسب مكتب الإحصاءات الأمريكي، تعززت الصادرات الأمريكية للإمارات بنحو 4.2 مليار دولار وعليه بلغت 15.9 مليار دولار في 2011. ويبدو أن للأمر علاقة بتصدير كل ما يتعلق بقطاع الطيران خصوصا الطائرات والمحركات. لا شك، تتميز الإمارات بين سائر دول مجلس التعاون الخليجي بوجود أربع شركات طيران لديها وهي الإمارات والاتحاد والعربية فضلا عن فلاي دبي. واللافت في هذا الأمر أن شركة دبي ورغم حداثة دخولها حيث بدأت أولى رحلاتها مطلع يونيو 2009 تسير رحلات إلى 50 وجهة. وكانت الشركة قد وقعت اتفاقية في صيف العام 2008 اتفاقية لشراء 50 طائرة أمريكية من نوع البوينغ. ومن قبيل الصدف، توجد مناصفة بين الدول الخليجية التي لديها فائض من جهة وعجز تجاري من جهة أخرى مع الولايات المتحدة. واللافت أن الإمارات والسعودية على طرفي نقيض فيما يخص نتائج المبادلات التجارية. فلدى الولايات المتحدة فائض تجاري مع الإمارات بلغ 13.5 مليار دولار في العام 2011. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى انفتاح اقتصاد الإمارات على العالم الخارجي خصوصا فيما يخص الاستيراد. في المقابل، تم تسجيل عجز تجاري للولايات المتحدة في حدود 33.6 مليار دولار في العام 2011 مقابل عجز قدره 19.9 مليار دولار في 2010 مع السعودية كنتيجة مباشرة لضخامة فاتورة توريد النفط للمملكة. وقد كشفت الإحصاءات الرسمية أن الواردات النفطية من الخام والمشتقات كانت مسؤولة بنحو ثلثي الزيادة في ارتفاع العجز التجاري الأمريكي من 646 مليار دولار في 2010 إلى 737 مليار دولار في 2011. بنظرة سلبية، تؤكد هذه الأرقام استمرار اعتماد الولايات على النفط المستورد رغم كل الحديث عن كفاءة استخدام الطاقة وتعزيز الإنتاج المحلي أينما كان ممكنا. وفي موضوع ذي صلة، شكلت قيمة التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والسعودية وقدرها 61.2 مليار دولار تحديدا 40 في المائة من قيمة التجارة الكلية بين الولايات المتحدة والعالم العربي في 2011. فحسب الإحصاءات التي كشف النقاب عنها حديثا، بلغت قيمة التجارة الأمريكية-العربية نحو 153 مليار دولار 2011 مقارنة مع 119 مليار دولار في 2010. وفي كل الأحوال، تعتبر مساهمة السعودية في التجارة البينية الأمريكية-العربية دليلا ماديا على ضخامة الاقتصاد السعودي. حقيقة القول، تعد السعودية صاحبة أكبر اقتصاد عربي بلا منازع حيث تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي للمملكة قرابة 577 مليار دولار. كما تتربع السعودية على عرش تصدير النفط الخام على مستوى العالم. اللافت في هذا الصدد أن مستوى التجارة بين الولايات المتحدة والعالم العربي شهد ارتفاعا رغم ظاهرة الربيع العربي والتي تميزت بظهور معضلات اقتصادية في الدول التي خاضت هذه التجربة. على سبيل المثال، حدث ارتباك بالنسبة لتصدير النفط الليبي لفترة زمنية خلال الثورة التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي. لكن في المقابل وفي تطور مفهوم، سمحت هذه المعضلة للسعودية بتعزيز صادراتها النفطية في ظل محافظة أسعار النفط على مستوياتها المرتفعة الأمر الذي يفسر جانبا من ارتفاع العجز التجاري الأمريكي مع السعودية من جهة وارتفاع قيمة التبادل التجاري مع العالم العربي من جهة أخرى. وليس من المستبعد حصول تعزيز للعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والدول العربية على خلفية قرار إدارة الرئيس باراك أوباما بتخصيص مساعدة مالية قدرها 800 مليون دولار لاقتصادات الدول العربية التي عايشت الربيع العربي. تعتبر المخصصات المالية جزءا من ميزانية السنة المالية 2013 والتي تدخل حيز التنفيذ مطلع شهر أكتوبر. ختاما، ربما تشجع النتائج النهائية للتجارة البينية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي تجديد مقترح توقيع اتفاقية للتعاون والاستثمار مع الدول الست. يشار إلى أن الولايات المتحدة وقعت اتفاقية للتجارة بصورة منفردة مع كل من البحرين وعمان والتي تنصب أصلا في مصلحة البلدين الخليجيين حيث تحصلان على فرصة تصدير المنتجات بلا قيود للاقتصاد الأمريكي والذي يعد الأكبر في العالم. وليس من اليسير على الولايات المتحدة توقيع اتفاقية للتجارة الحرة بصورة موحدة مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي بسبب تباين القوانين وظروف العمل في الدول الست. فتمرير هكذا اتفاقية على الكونغرس الأمريكي بحاجة لجهد جهيد. بيد أنه الأسهل بمكان توقيع اتفاقية لتشجيع الاستثمار البيني حيث تحصل الولايات المتحدة على فرصة استقطاب الاستثمارات الخليجية في ظروف مواتية أي بقاء أسعار النفط وبالتالي الإيرادات النفطية.