13 سبتمبر 2025

تسجيل

جاء ليسرق فسرقناه

19 يناير 2012

لا يخلو عصر من لصوص وقطاع طرق، يريدون سلب خيراتنا ونهب ممتلكاتنا، والسطو على ما نكنزه طيلة عمرنا، هذه المهنة الخسيسة باقية وستظل وان تغيرت مسمياتها وتبدلت ألقابها. وان أعظم السرقات فى عصرنا على الاطلاق: سرقة العقول والقلوب، هؤلاء الذين يريدون السطو المسلح على ثوابت ديننا وعقيدتنا وتقاليدنا التى تربينا عليها، لقد استطاعوا أن يحتلوا الاعلام والتعليم، وبدأوا منذ سنين فى تغريب العقلية العربية المسلمة، وما زالوا الى اليوم رغم الثورات العربية المباركة، ما زالوا الى يومنا يكيلون الاتهامات تلو الاتهامات ويرهبون الناس لا أقول بالتلميح بل وبالتصريح. منذ أيام قليلة خرج أحدهم على شاشة قناة الجزيرة ليعلن وبكل جرأة: أن القرآن مصدر روحى للمسلمين لا يجوز أن يكون مصدرا من مصادر التشريع! عوضا عن أن يقول كما يقر كل مسلم أنه مصدر التشريع، يرفض — سعادته — أن يكون أحد مصادر التشريع، وزاد الطين بلة حين يرى الأستاذ أن القرآن كتاب روحى مهمته أن يعالج الروح من مشاكلها النفسية! ولا دخل له البتة بأمور الحياة وتسييرها! ولا أريد أن أجيب على هذا الكلام الفج، فلو قرأ القرآن أو فهمه ما قال ذلك ولا تفوه به. ولكنى وقفت أمام بعض المتحمسين الصادقين فيما نحسب الذى ردوا على الرجل ردا أهانوه وبعضهم قال: ينبغى عليه أن يتوب فقد كفر! وبعضهم اتهمه بكل قبيح، ونال منه نيلا شديدا، وفريق آخر رأى أن مثل هذا الكلام لا يحتاج الى نقاش ولا الى حوار. وهنا لابد من وقفة، هل بمثل هذا الخطاب يستقيم الأمر، وهل حديثنا الى بعضنا وأغلاق حوار معهم هو الأولى؟ اننا بهذ المنهج نرتكب خطأ بل خطيئة، فلا عداوته نافعة ولا تركه وعدم فتح حوار معه صالحا. بل الحل هو مد الجسور والذهاب الى أرضيتهم الفكرية والتحاور معهم وتبين الحقائق، الى متى سنظل ندافع عن حصوننا من داخل بيتنا؟، متى تنقلب المعادلة فنسمعهم بالحوار المحكم الخالى من التعصب والتشنج فى أماكنهم وتواجدهم ما يريده الاسلام، نزيل بذلك الشبه عنهم ونبين لهم خطأ ما يعتقدون. ان سرقة هؤلاء أولى من عداوتهم، وان استيعابهم أولى من اقصائهم، وان احترام عقولهم وان أنتجت الخطأ المحض أولى من ازدرائهم أو الابتعاد عن محاورتهم، لقد كتب الكاتب الاسلامى الأستاذ خالد محمد خالد كتابا نال فيه من الاسلام أسماه: من هنا نبدأ، وهنا انبرى بعض الاسلاميين للدفاع عن دينهم ولكن بمهاجمة واضحة للأستاذ فما ازداد الا ثباتا وتأييدا لمنهجه، ولكن العلامة الغزالى رحمه الله لم ينح هذا المنحى، بل مدح خالدا وقال: أرجو له خيرا، وكتب كتابا يرد عليه، أسماه: من هنا نعلم. وكانت المفارقة أن ينقلب الأستاذ على أفكاره القديمة الرجعية، وكتب كتابا يرد فيه على نفسه أسماه: الحكومة الاسلامية نقض فيه الأوهام التى كتبها بنفسه، وكان من بركات هذا المنهج أن صار الأستاذ أحد أشهر الكتاب الاسلاميين. لابد من سرقة عقولهم وسرقة قلوبهم، ولن يكون ذلك بالبعد ولا بالسب جاء فى (سير أعلام النبلاء) للذهبى فى ترجمة مالك بن دينار: وَقِيْلَ: دَخَلَ عَلَيْهِ لِصٌّ، فَمَا وَجَدَ مَا يَأْخُذُ، فَنَادَاهُ مَالِكٌ: لَمْ تَجِدْ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا،فهل تَرغَبُ فِى شَيْءٍ مِنَ الآخِرَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: تَوَضَّأْ، وَصَلِّ ركْعَتَيْنِ. فَفَعَلَ، ثُمَّ جَلَسَ، وَخَرَجَ اِلَى المَسْجِدِ، فَسُئِلَ: مَنْ ذَا؟ قَالَ: جَاءَ لِيَسرِقَ، فَسَرَقْنَاهُ. فلنشمر أيها الأحباب عن سواعد الجد باللين وعن لسان الحق بالحكمة والموعظة الحسنة لنسرق من يحاول سرقتنا.