18 سبتمبر 2025
تسجيلتشير أحدث الإحصاءات المتوافرة إلى تباين أداء الاقتصاد البحريني في المؤشرات الدولية لأسباب تشمل تداعيات الأزمة السياسية التي اندلعت في البلاد في منتصف فبراير 2011 والمطالبة بتحقيق مكاسب ديمقراطية. يعود الحديث عن الاقتصاد البحريني في هذه الفترة لتطورين مهمين وهما نشر لجنة تقصي الحقائق حول الأحداث تقريرها بتاريخ 23 نوفمبر واحتفالات البلاد بالعيد الوطني بتاريخ 16 ديسمبر. في المحصلة، تؤكد الإحصاءات حدوث تراجع نسبي في أداء الاقتصاد البحريني مع بعض الاستثناءات المحدودة. الاستثناء البارز هو تحسن ترتيب البحرين في مؤشر مدركات الفساد للعام 2011 الصادر من قبل منظمة الشفافية الدولية. فقد تحسن ترتيب البحرين من بين سائر دول مجلس التعاون الخليجي إلى المرتبة رقم 46 دوليا. في المقابل، تشير غالبية المؤشرات إلى تراجع أداء الاقتصاد البحريني بطريقة أو أخرى. فقد كشف تقرير لصندوق النقد الدولي بتراجع الناتج المحلي الإجمالي للبحرين بنحو 5 في المائة في الشهور التسعة الأولى للعام 2011. وهذا يعني حدوث خسارة قدرها 1.1 مليار دولار مقارنة مع ناتج محلي إجمالي اسمي في حدود 22 مليار دولار. لا شك، يعتبر حجم الخسارة أمرا مقلقا بالنسبة لاقتصاد صغير حيث من الصعوبة بمكان التعويض في فترة قياسية. أيضا، كشف تقرير لشركة (أرينست أند يونغ) عن تراجع تجارة فنادق البحرين 60 في المائة ما بين يناير وأغسطس أي الأسوأ على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي. ويمكن ربط الأمر لتطورات مثل إلغاء استضافة المملكة لسباق الفورمولا واحد لموسم 2011، حيث تشتهر الفعالية بتحقيق مكاسب اقتصادية بالنسبة لقطاعات عدة مثل المواصلات والضيافة. أيضا خسرت البحرين استضافة بعض الفعاليات المهمة من قبيل النسخة الثامنة من حوار المنامة والذي كان من المقرر عقده في شهر ديسمبر 2011. وبالنسبة للمؤشرات الدولية الأخرى، فقد كشف تقرير التنمية البشرية للعام 2011 ومصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن تراجع ترتيب البحرين ثلاث مراتب إلى المرتبة رقم 42 دوليا، يتميز التقرير باعتماده على ثلاثة معايير وهي العمر المتوقع عند الولادة ونسبة المتعلمين إضافة إلى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وليس على متغير واحد فقط مثل متوسط دخل الفرد. من جهة أخرى، كشف تقرير ممارسة الأعمال للعام 2012 ومصدره البنك الدولي عن تراجع ترتيب البحرين بواقع خمس مراتب وعليه حلت في المرتبة رقم 38 دوليا. لكن لم يطرأ أي تغيير على ترتيب البحرين على مؤشر التنافسية للعام 12-2011 والذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي. فقد حافظت البحرين على المرتبة رقم 37 دوليا لكن على حساب بقائها في قاع الترتيب الخليجي في ظل نجاح كل من السعودية قطر وعمان والكويت في تعزيز ترتيبها.وفيا يخص القدرة على استقطاب الاستثمارات، فقد تدنت قيمة الاستثمارات الأجنبية الوردة إلى البحرين من 257 مليون دولار في 2009 إلى 156 مليون دولار في 2010. هذا ما كشفه تقرير الاستثمار العالمي للعام 2011، ومصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد). الاستثمارات الأجنبية المباشرة هي الطويلة الأجل مثل الاستثمار في العقارات وإنشاء المصانع، ويشكل مقياسا على وجود ثقة من قبل المستثمرين الأجانب في اقتصاديات الدول الأخرى.إجراءات رسمية بدورها، اتخذت السلطات خطوات اقتصادية لكن تندرج في خانة الأمور السياسية في إطار التكيف مع الأزمة. ففي خطوة غير مفهومة، قررت الحكومة زيادة رواتب العاملين في القطاع العام والمندرجين في برنامج التقاعد بكلفة مالية قدرها 860 مليون دولار. شكلت الزيادة مفاجأة للمراقبين لأن الأمر فوق طاقة المالية العامة للدولة بدليل التوجه لرفع مستوى المديونية العامة. من جملة سلبيات هذا التوجه رفع مستوى العجز المتوقع للميزانية العامة للسنة المالية 2011 إلى 3.1 مليار دولار مشكلا أكثر من 14 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي. يتناقض هذا المستوى من العجز مع أحد شروط مشروع الاتحاد النقدي الخليجي والذي يلزم بتقييد عجز الميزانية عند 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما تتمثل السلبية الأخرى في تعزيز دور الحكومة في الاقتصاد المحلي حيث تشكل النفقات المقدرة والمعدلة نحو 43 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي الأمر الذي يتناقض مع الزعم بالتنوع الاقتصادي في البحرين والحد من دور القطاع العام لحساب القطاع الخاص. هناك تفسير واحد لهذه الزيادة ألا وهو محاولة إرضاء البعض بالنظر للظروف غير العادية التي مرت بها البحرين. في المقابل، يقتضي الصواب التركيز على تعزيز الظروف الاقتصادية عبر الصرف على المشاريع الحيوية مثل تطوير البنية التحتية وبالتالي إيجاد فرص عمل للمواطنين والداخلين الجدد لسوق العمل وليس رفع مستوى الرواتب. وقد اضطرت السلطات إلى رفع مستوى المديونية العامة لتأمين الموارد المالية للصرف على أمور ليست ضرورية مثل زيادة رواتب موظفي القطاع العام في ظل ظروف غير مؤتية. وتبين حديثا بأن مستوى الدين العام للبحرين قد بلغ 7.75 مليار دولار في الربع الثالث من 2011 مقارنة مع 5.37 مليار دولار في الفترة نفسها من العام 2010. صحيح أن مستوى الدين العام يشكل نحو 36 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبحرين أي في الحدود لكن اللافت في النظر الزيادة الكبيرة وقدرها 2.38 مليار دولار في أقل من سنة واحدة.ختاما، تكمن مصلحة الاقتصاد البحريني في إيجاد حلول للأزمة السياسية لتفادي حدوث المزيد من التراجع. تتركز مطالب القوى السياسية في إيجاد إرادة شعبية في تشكيل الحكومة ومنح صلاحيات كاملة للسلطة التشريعية وضمان تحقيق العدالة في توزيع الدوائر الانتخابية والتأكيد على توفير الأمن للجميع في إطار سلطة قضائية مستقلة إضافة إلى منع كافة أشكال التمييز بين المواطنين.