14 سبتمبر 2025

تسجيل

أبواب

18 نوفمبر 2014

منذ باب فيروز الشهير الذي كتب كلماته الراحل جوزف حرب، لم أقرأ شيئاً يحتفي بالباب، كما قرأت عند الشاعر السوري فرج الحسين، الذي وقف على معنى الباب في ظرف دقيق تعيشه أبواب السوريين التي تعاني وداع أصحابها، أو وداع الحياة ذاتها، يقول الشاعر : يا بابُ قلبٌ و روح ٌ أنتَ يا بــابُ ** وأنتَ دمعٌ على الجدرانِ ينسابُ وأنتَ عينٌ بها الأحبابُ أُبصرُهم** وأنتَ جرحٌ حوتهُ الدَّوحُ والغابُ و سِنديانٌ يباسُ الرّوحِ يسْكُنهُ **دارتْ عليهِ من الأحجارِ أحقابُ تُعطِّرُ الفأسَ دمعـــاً حين تحضُنُها** فَيــزرعُ المـــوتَ في جنــــبيكَ حطّـابُ وقفتَ جذعاً على الجدرانِ قد صُلبتْ ** فيكَ الحياةُ و طارتْ منكَ أســــرابُ وعلى طريقة جوزف حرب يريد فرج الحسين الوصول إلى كنه الباب، ذاك الفاصل بين المطلق والمغلق، بين الخاص والعام، وكأنه يسير على درب جلال الدين الرومي في (الناي) الذي كان قصبة، سرّ حزنه في العزف هو الحنين الطاغي إلى أرض الديار، يوم كان شجرة في الغابة، فالباب عند الحسين من مهجٍ دقّت فيها مسامير المصائب، وهناك أقام في فم الجدار : وكان فيكَ شقوقٌ مررّتْ وَجَعا** فيها ِ الغروبُ حزيناً راحَ ينسابُ ولم يكتف بهذه الصورة الشعرية المتدفقة للباب سارق لون الغروب بشقوقه، بل جعل منه ملجأ للخوف ذاته، حينما تضطرب الطبيعة فيدقّ الباب، الباب الحارس الأخير الواقف على صور الغائبين وأمل الذكرى، إنه آخر المودّعين وأوّل المستقبلين، إلى أن يصل إلى بيت القصيد، حيث كثرت الوجوه الغريبة بأرضي السليبة بحسب سليمان العيسى: يا بابُ أهـــــــلوكَ لا تــرنو لعودتِهمْ **فالقابضونَ على كفّيك قد أغرابُ ويذهب الشاعر مذهب حرب في التطرق إلى أنواع الأبواب بصورة مختلفة وبيان مختلف تثبت أن العمود قادر على حمل المعاني الجديدة إذا توافّر له شعراء بارعون قادرون على خوض المغامرة، فيخرج إلينا بسلسلة تعريفات شعرية جميلة للباب: بابٌ بهِ نخلةٌ أعذاقُها ركعتْ** بابٌ بهِ صفــنةٌ يعلــوهُ لِبـْـــلابُ بابٌ سوادُ الأسى يطلي مدامِعَهُ ** أصحابُه من يدِ السّجّانِ قدْ شابوا بابٌ بهِ دقّةٌ تفضي إلى ســعةٍ ** بابٌ أضاعَ الصّدى ناداهُ سِردابُ بابٌ حزينٌ يدُ الأغرابِ تدفَعُهُ ** فعطّرَ الكفَّ دمعاً فيهِ أطيابُ بابٌ فقـــيرٌ رياحُ الجوعِ تصفعُــهُ ** ملحُ الحياءِ على جفنيهِ أهدابُ بابٌ كبيرٌ به الحرّاسُ قد وقفوا ** ونادمتْ ركنَهُ الموصودَ أكوابُ بابٌ صغيرٌ وكفُّ الجودِ قدْ فتحتْ** للقادمينَ ومــــلءُ الدّارِ إجـــــدابُ ويغمز الحسين من حال الخروقات التي دهمت الأمة من جهات بعينها فيكتب عن الأبواب الهشّة المستعدة للترحيب بكل ريح عابرة: بابٌ خَؤونٌ خُطا الغازين تَدخلُهُ ** و الخائنونَ على جنبـــيهِ أعرابُ لكنّ الشاعر لاينسى باب الرحمة المفتوح لكل العباد، وهي ذات الخاتمة في نص حرب المنتهي بالدعاء " يا رب خليها مزيني ببواب و لا يحزن و لا بيت و لا يتسكر باب"، فإن :" بابُ الإلهِ َمنْ دقُّوه ما خَابُوا".