09 أكتوبر 2025

تسجيل

زهري

18 نوفمبر 2013

كان زهري ما زال يقف أمامنا، وقد انضم إلى حصاره عدد من السكان، وزاد التوتر. أردت أن أخبره بأنني كتبت روايتي من ذهني ولم أكن أظن بأنها نص تخاطري، أو نص مشابه لنص مكتوب في الواقع، وما حدث سيظل معضلة غامضة، سآتي لإخباره شخصيا إن عثرت على حل لها. بدا زهري أقل عدائية فجأة، وقد أصلح من وضع قبعة القش على رأسه، وأدخل يده اليمنى في جيب سرواله، أخرج ورقة مطوية شبيهة بأوراق دفاتر الطلاب، وهو  يقول: أنا أيضا أكتب القصة، وهذه إحدى محاولاتي التي أحبها. قصة قصيرة جدا اسمها: دون كيشوت لا علاقة له بسربانتس. أريد أن أسمع رأيك فيها. دون كيشوت، لا علاقة له بسربانتس، يا له من عنوان واع وشديد الجمال، وياله من حي غريب يتثقف فيه الناس ويتعلمون برغم الفقر. سأستمع لقصة زهري، ربما تكون رائعة كعنوانها، وربما لو أسرفت في إطرائها، لكسبته: الأخضر الفاتح: لون قميصه الأسود الكئيب: لون بنطاله. الذي يرقد في جيبه هو عنكبوت الفقر. التي تضيء أعلى رأسه: هي الصلعة، والذي يحتضر في صدره هو قلبه. لم تكن هناك طواحين متوفرة للهواء ليحاربها، فاختار أن يحارب المرأة. اممم.. قصة كئيبة لا تشبه سربانتس ولا علاقة له بها فعلا. ولو ترك العنوان بلا قصة لكان أفضل. في هذه الحالات يقول الظل، إنه يخرف ويخترع لغة الإحباط كلها، ليبعد متسللا عن سكة الإبداع، لكني لن أفعل ذلك في حق ولد قرأ روايتي الملعونة، ولن يفهم لماذا هي كذلك، سأقول إنها جيدة، وتدل على موهبة، وسأكسر حدة الوجه وعدائية العينين التي ما زالت شبه مؤطرة في شخص زهري وسأمنحه كلمة ستشعله حماسا تجاهي: جيد يا زهري.. أنت موهوب وأتمنى أن أقرأ لك في مناسبة أخرى. هل تعرف أين نعثر على نيشان؟ أظنه طرب وارتخت أنفاسه، لم يقل شكرا وسألني عن رقم هاتفي، وكان لا بد أن أمنحه له برغم صرامتي الشديدة في ما يتعلق بهاتفي أو بيتي. أخذ رقم الهاتف وانصرف  بخطوات سريعة، حتى من غير أن يبدي أي رغبة في تعاون من أي نوع، وقبل أن يختفي تماما شاهدته يستدير، يعود إلينا مرة أخرى وقد تيبس وجهه. قال حالما اقترب مني: تعرف ما هو أكثر ما أزعجني في روايتك أمنيات الجوع؟. إنه غلافها.. كان أسوأ غلاف أشاهده على الإطلاق..ما معنى أن يضعوا لوحة لدجاجة مذبوحة؟ إنها حتى لا تتعرض لسيرة الدجاج مذبوحا كان أو طليقا. ثم عاد وانصرف من جديد، من دون أن ينتظر إجابتي.. حقيقة كان هذا هو انطباعي نفسه، وهذا الولد يبدو متمرسا في مشاغبة الكتب، ذلك النوع الذي يبدأ مطالعة الكتاب من غلافه. وأذكر حين عرض على الغلاف قبل طباعته أن سألت عن معنى تلك اللوحة، وعلاقتها بالكتاب وأخبرني مصمم الدار وكان في نحو السبعين، اسمه آدم ويلقب بأبينا أدم، بجلافة: إن كتابة الرواية شيء، وتصميم غلافها شيء آخر، ولا يجب أن أحتج على غلاف لم يعجبني لأنني لست مؤهلا لهذا الاحتجاج. كما أن الدجاجة المذبوحة ترمز للجوع بجدارة، ولو أعملت الخيال الذي أستخدمه في الكتابة، لعثرت على عيون يتامى وأرامل ونازحين، تتأملها من بعيد ولا تستطيع الشبع.