18 سبتمبر 2025

تسجيل

أوقات سعيدة لاقتصادات دول مجلس التعاون

18 نوفمبر 2012

تعتبر الأوضاع الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحاضر إيجابية لحد كبير بل ليس من السهل تصور ظرف اقتصادي أفضل مما عليه واقع الحال. طبعا لا مناص من ربط الموضوع بشكل جوهري ببقاء أسعار النفط مرتفعة لفترة زمنية والتأثيرات الإيجابية لذلك على النمو الاقتصادي وقدرة تحقيق فوائض مالية للموازنة العامة والحساب الجاري فضلا عن تعزيز الاحتياطي العام للدول الست. حقيقة القول يعد القطاع النفطي حيويا في اقتصادات دول مجلس التعاون كونه يساهم في المتوسط ثلثي كل من دخل الخزانة العامة والصادرات فضلا عن ثلث الناتج المحلي الإجمالي. وفي هذا الصدد تتوقع العديد من المصادر المعتبرة بقاء أسعار النفط فوق حاجز 100 دولار للبرميل في العام 2013 على أقل تقدير ما يعني استمرار توقع تسجيل نتائج مرغوب فيها في الاقتصادات الخليجية. من جملة الأمور توفر ظاهرة بقاء أسعار النفط مرتفعة إفساح المجال أمام زيادة النفقات العامة وبالتالي إمكانية تحقيق نمو اقتصادي لافت. وخير دليل على هذا الزعم تسجيل اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بشكل إجمالي نمو قدره 7.5 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي في 2011. بكل تأكيد كان هناك تفاوت في الأداء خصوصا بالنسبة لقطر وقدرت اقتصادها على تحقيق نمو مرتفع نسبيا. ومن حسن الحظ تم تسجيل هذا الحد من النمو الاقتصادي في ظل شبه غياب لمعضلة التضخم لأسباب تشمل محدودية الضغوط في أحسن الأحوال فيما خص المواد الغذائية المستوردة. تتميز دول التعاون وهي محقة بذلك بتقدير حقيقة عدم تمتعها بميزات تنافسية في مجال الإنتاج الغذائي وعليه الحاجة للاستيراد. من جهة أخرى، يوجد توقع عام بتراجع نسبة النمو في العام 2012 لأسباب منها عدم قدرة دول مجلس التعاون الخليجي المحافظة على مستويات صرف القطاع العام. بيد أنه علينا الانتظار للنتائج النهائية للوقوف على حقيقة الموقف بدل الاعتماد على بعض التوقعات المحافظة والتي يتم إعدادها قبل فترة والتي ربما لم تأخذ بعين الاعتبار استمرار ظاهرة بقاء أسعار النفط مرتفعة. في المحصلة، يلاحظ قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على تحطيم أرقام جديدة لحجم الناتج المحلي الإجمالي بين الحين والآخر وبصورة لافتة. استنادا لإحصاءات صندوق النقد الدولي بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول الست بعد خصم معدل التضخم قرابة 1.372 مليار دولار في العام 2011. بل من المتوقع وصول الرقم إلى 1.487 مليار دولار في 2012 ومن ثم 1.534 مليار دولار في 2014. وفي هذا الصدد لابد من التأكيد على حصول السعودية على مرتبة متقدمة بين كبرى الاقتصادات العالمية وتحديدا الرقم 20 دوليا. تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي للسعودية 633 مليار دولار ما يعني حلول المملكة في مرتبة أفضل من ترتيب بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل السويد وبولندا وبلجيكا والنرويج فضلا عن الدول الإسلامية والآسيوية. ثم إن هناك موضوع الفوائض المالية في الموازنات العامة للدول الست حيث بلغت 174 مليار دولار في العام 2011. ويعد هذا الرقم نوعيا كونه يشكل 12.7 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي الخليجي. عموما لابد من النظر لهذا الأداء مع أحد شروط الاتحاد النقدي الخليجي والذي دخل حيز التنفيذ بداية العام 2010 بمشاركة أربع دول وهي السعودية وقطر والكويت والبحرين وفي غياب الإمارات وعمان. ويلزم المشروع بضمان عدم ارتفاع عجز الموازنة المالية عن حاجز 3 في المائة للناتج المحلي الإجمالي. وقد تبين في الآونة الأخيرة قدرة دول مجلس التعاون على تسجيل فوائض مالية ضخمة حيث نجحت السعودية على سبيل المثال بتحويل العجز المتوقع وقدره 11 مليار دولار إلى فائض في حدود 82 مليار دولار في السنة المالية 2011. وقد تحقق هذا الأداء رغم تعزيز النفقات العامة لكن في ظل ارتفاع حجم الإيرادات العامة. وفيما يخص قطر فقد تم إعداد موازنة السنة المالية 13-2012 بتوقع فائض قدره 7.7 مليار دولار. والتميز هنا عبارة عن توقع فائض وليس عجزا، ما يعد أمرا ملفتا. بل ليس من المستبعد تعزيز الفائض في نهاية المطاف بالنظر لاعتماد متوسط سعر 65 دولارا للبرميل أي أقل بكثير من الأسعار السائدة في الأسواق العالمية الأمر الذي يفسح المجال أمام ارتفاع الإيرادات. حقيقة القول أصبحت ظاهرة تسجيل فائض في الموازنة العامة حقيقة واقعية للدول الست بلا استثناء. إضافة إلى ذلك، هناك موضوع الفوائض في مجال الحسابات الجارية وذلك على خلفية بقاء أسعار النفط مرتفعة. تشير أحدث الأرقام والتوقعات إلى تحقيق فائض في الحساب الجاري للدول الست قرابة 363 مليار دولار في العام أو أكثر من 26 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي ما يعد إنجازا بالمقاييس الدولية. بل يتوقع ارتفاع مستوى فائض الحسابات الجارية لحد 383 مليار دولار في 2012. وكنتيجة إيجابية لفوائض المالية العامة والحسابات الجارية فقد بلغ حجم الاحتياطي الدولي للدول الست قرابة 1.6 تريليون دولار في العام 2011 وربما يفوق المبلغ حاجز 1.9 تريليون دولار في 2012 أي أكثر من حجم الناتج المحلي الإجمالي في كل حال من الأحوال. بل يتوقع بلوغ المبلغ لحد 3 تريليونات دولار في العام 2017. باختصار، ليس من الخطأ منح دول مجلس التعاون الخليجي علامة متميزة على أدائها الاقتصادي سواء بالنسبة للنمو الاقتصادي والفوائض المالية فيما يخص الموازنة العامة والحسابات الجارية والموجودات في الخارج. على أقل تقدير، لا يتوقع حصول تراجع في الأداء الاقتصادي للدول الست للسنوات القليلة القادمة على خلفية توقع بقاء أسعار النفط مرتفعة لأسباب تشمل نمو الاقتصاد العالمي.