11 سبتمبر 2025
تسجيللقد أُطفِئت أنوار مسرح قطر الوطني قبل أيام، لرحيل الفنان القديرعبدالعزيز جاسم، فلم يكن وجوده في عالم الفن بالشيء السهل، بل كان وجوده إضافة حقيقية، فقد أتعب الذين سبقوه على خشبة المسرح والذين التحقوا بعده. فهو صاحب الأداء الرشيق والأعمال المميزة، والتي كان لها الأثر الكبير في مسيرة الفن الخليجي بصفة عامة، وفي مسيرة الفن القطري بصفة خاصة، حيث كان ولا زال كالبصمة الفارقة في المسيرة الفنية لدى المسؤولين والمهتمين والمتابعين على حدٍ سواء. وذلك لأنه أعطى الفن حقه من الإبداع، فقد أفنى عمره في ذلك العطاء دونما كلل ولا ملل، وبذلك فقد أمضى أكثر من نصف عمره، بين المسرح والتلفزيون، وفي كل مرة يخرج لنا على المسرح أو الشاشة، يخرج متألقاً كعادته. بدأ مسيرته الفنية على مسرح السد عام 1977م، وفي عام 1981م، شارك في تمثيل مسلسل الفرسان الثلاثة، مع الفنانتين القديرتين وداد عبداللطيف قبل أن تعتزل التمثيل، لتكتفي بكتابة النصوص والمقالات والسيناريوهات، وكذلك شاركت معهم في ذلك المسلسل الفنانة هدية سعيد. لتتوالى أعماله الدرامية والتي يصل عددها إلى أكثر من 50 عملاً تلفزيونياً، ومن أشهر أعماله التلفزيونية، فايز التوش وجرح الزمن وحكم البشر ويوم آخر. وله 33 مسرحية، ومن أشهرها، وزير الناس والفرسان وزلزال وعنتر وأبله، ويكون بذلك قد حقق فعلاً نجاحات متكررة ومنقطعة النظير بالنسبة لعمره الحقيقي. فلديه أعمالاً كثيرة مع الفنان القدير غانم السليطي، من مسلسل حكايات أبوعلي والذي أنتج في عام 1982م، حتى مسلسل تصانيف، والذي أنتج عام 2010م، مروراً بمسلسل الناس بيزات وفايز التوش وحكاية صلبوخ وحكاية العرندس في بداية الثمانينيات. وكذلك مثل بجانب الكثير من عمالقة الفن الكويتي، كالفنانين القديرين عبدالحسين عبدالرضا، وسعد الفرج، والفنانتين القديرتين حياة الفهد وسعاد عبدالله، والكثير من المبدعين والمبدعات على الشاشة الفضية، وكذلك على خشبة المسرح. إن الحديث عن الفنان الإنسان عبدالعزيز جاسم، كمن يبحث عن حبة لؤلؤة في صرّة مليئة باللؤلؤ، فقد أتقن الصنعة، فهو من القلة القليلة المبدعة في المسرح والتلفزيون، وهذا ليس تقليلاً من شأن الآخرين، بل هو التفرد الذي وهبه الله له، في تناوله للقضايا الاجتماعية والسياسية، وهو كذلك من القلة القليلة الذين لا يألون جهداً في الارتقاء بالعمل التلفزيوني والمسرحي، فهم من حملوا الشعلة المضيئة للفن المسرحي والتلفزيوني، وكل منهم له نصيب من الإبداع، لا يقل عن الآخرين. فقد كان رحمة الله عليه نبيلاً في مسرحه، وصانع حقيقي للشخصيات التي يتناولها على الشاشة، فهو الأب العصبي إن لزم الأمر، وهو الزوج الساخط في بعض أدواره، وهو التاجر الجشع، الذي لا يكترث بشيء، وهو الحنون والمحب والمعطاء، وكأنه بتلك الشخصيات يُدخلنا في وديانٍ سحيقة في حياة الإنسان الحقيقي، ثم يُخرجنا إلى أعالي الجبال، إذاً فهو فنّان مبدع. إن اختياره للنصوص واختياره للأدوار، ومن ثم الظهور بما يليق بالمسرح وبالتلفزيون، لهو المسار الصحيح للفنّان الحقيقي. أثمر أبوسعود قبل وقت الحصاد بسنين عديدة، فهو المحب والقريب من نفوس أهل قطر، أجاد عمله وقدّر فنه، ليشهد له الكل بأنه اقتطع الكثير من وقته وماله وجهده، كي يبرهن للجميع على أن الفن سامٍ، وأن الفن رسالة عظيمة، تحتاج للكثير كي تصل. وأنا أكتب هذه السطور، سمعت صوت الفنان المتألق/ غانم السليطي وهو يعزيه بكلماتٍ عميقة نابعة من قلب شخصٍ عاش معه مدة طويلة خلف الكواليس، تعبوا ليظهروا لنا (أن الفن هو عالم أرحب مما نتخيله). حزينٌ غانم السليطي لرحيل زميله، وإنّا كذلك يا أبو سعود على فراقك لحزينون، فلقد كان وجودك بيننا جميلاً. رحلت وبقيت سيرتك العطرة وأعمالك المميزة بعدك، تتحدث عنك، لتبقى كالمرشد الواعي لكل فنان يريد أن ينجح. 14 أكتوبر 2018، عبدالعزيز جاسم في ذمة الله، رحمك الله وغفر لك وأسكنك فسيح جناته، إنّا لله وإنّا إليه راجعون.