17 سبتمبر 2025

تسجيل

الدولة الوطنية.. وداعًا وستفاليا..

18 سبتمبر 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); هل يمكن القول إن الدولة الوطنية أو دولة وستفاليا تعاني من الشيخوخة التي ضربت ما سبقها من صيغٍ أم أنها محض مهددات يتوجب التصدي لها؟.. السؤال أمام الإستراتيجيين والبيوت الإستراتيجية لمخاطبته..خلال العام 1993 وكنت حينها محررًا مترجمًا بجريدة (الشرق القطرية) كان من حسن حظي أن قمت بترجمة مقالة بروفسور صمويل هانتنغنون التي نشرت آنذاك في مجلة فورين آفيرز قبل أن يتوسع بها ويؤلف كتابه الشهير (صراع الحضارات). وربما أن (الشرق) كانت من أوائل من ترجم تلك المقالة.وقد تبنى هانتنغنون آنذاك أطروحةً مفادها أن صراعات ما بعد الحرب الباردة لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستمثل الاختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات المقبلة. ورغم كثير من النقد تعرضت له الأطروحة منذ نشرها إلا أن واقع اليوم يغري بمراجعتها على نحوٍ متأنٍ، جنبًا إلى جنب مع مؤلفه الجديد: (Who are we ?.. America’s Great Debate) (من نحن؟.. جدلية أمريكا الكبرى) ورغم أن الكتاب ركز على الهوية الأمريكية لكنه توسع كثيرًا في مناقشة وتحليل جدل الهوية وتأثيراته على المستوى العالمي.استعراض الأطروحتين يصلني على نحوٍ مباشرٍ وغير مباشرٍ بمعاناة الدولة الوطنية التي بدأت تتكشف منذ إسدال الستار على الحرب الباردة، وعندها لا بأس من السعي لإيجاد القواسم المشتركة لأزمة الدولة القومية من تفكك الاتحاد السوفيتي إلى يوغسلافيا إلى تشيكوسلوفاكيا إلى استفتاء أسكتلندا إلى عشرات أشكال الحراك الانفصالي على مستوى العالم وما يحمله راهن الحال من تشظيات بعض الدول.ومن الأهمية بمكان أن نطرح هذه الأسئلة: متى كانت بداية الدولة الوطنية؟ وما هي مقوماتها؟ هل الدولة الوطنية أو القومية بشكلها الماثل هي نهاية التأريخ؟.. ما هي المهددات التي أوهت الدولة الوطنية؟.. ما الذي يجب أن يفعله العالم لترميم الدولة الوطنية؟..وللإجابة يقرر علماء التأريخ السياسي أن مقومات الدولة الوطنية هي أرض ذات حدود وشعب وسيادة. ورغم أنه لم يتبنى مصطلح (نظامٍ عالمي) فإن صلح ويستفاليا العام 1648 يكاد يؤرخ لأول نظامٍ دولي كرس قضية الحدود وسيادة الدول، ووفق هنري كيسنجر فالصلح ذاته هو من عرف الدولة على أنها وحدة الثقافة واللغة. غني عن القول إن البشرية عبرت العديد من التجارب لعشرات القرون من العصر الحجري إلى الإقطاع إلى الممالك إلى الإمبراطوريات حتى بلغت الدولة الوطنية بكل صيغها الماثلة ما بين مركزية وفيدرالية وكونفيدرالية.وإذا كان صلح وستفاليا الذي أعقب حروب أوروبا الدامية قد كرس السيادة التي تمثل أبرز مقومات الدولة، بل والضامن لصمودها فإن اتفاقيات الغرب المنتصر اللاحقة والتي كانت محض عقود إكراه، أخذت بالشمال ما منحته ويستفاليا باليمين..ومن عصبة الأمم إلى الأمم المتحدة بمجلس أمنها إلى حياكة وصفات صممها الغرب وأملاها عبر الترهيب أو الترغيب أو الإعلام على شعوب العالم، إلى منظمات المجتمع المدني كل ذلك حلَّ خصمًا على سيادة الدول وأسهم في وهن الترابط لاسيَّما وأن غياب (وحدة الثقافة واللغة) في كثير من العوالم تفترض تقوية السيادة لا إنهاكها.لقد أثبت كثير من التجارب أن التدخل في شؤون الدول عبر المنظمات الدولية أو الطوعية أو التكالب تحت قيادة الغرب يضعضع من المسارات التلقائية لإدارة التنوع في دولٍ تتعدد فيها الثقافات والإثنيات، وأن غالب التدخلات تنم عن أجندة مبطنة لإنهاك أقاليم شأن المنطقة العربية أو دول بعينها ممالأة لثقافةٍ ما أو تعضيدًا وتغذية لفتنة ما حتى وإن يكن ثمنها إراقة الدماء أو التشظي.. وواهم من يعتقد أن القوى الكبرى التي تذرف اليوم دموع التماسيح على سوريا أو اليمن هي حريصةٌ بالضرورة على دماء السوريين أو اليمنيين بل إن أجندتها تكمن في إطالة الاحتراب طالما أنه يمضي لإنهاك العرب مقابل إيران وإسرائيل.وفي الظن أن السيناريو الماثل هو هدف إستراتيجي للغرب ولقوى أخرى ترغب في ضعضعة سيادة الدولة الوطنية عبر تدويل أي مسألة كبرت أم صغرت باستنهاض كل الأدوات الممكنة.. أما إن كان من حادبين على تلافي ذلك القصور والمضي في ابتدار طرقٍ للحفاظ وترميم الدولة الوطنية فإن المطلوب هو المزيد من القدح الإستراتيجي المستدام للحفاظ على عالم تمتلك فيه الدول زمام أمرها..