12 سبتمبر 2025
تسجيللنعترفْ بأن الإمارات مثالٌ للتاجر الذي لا ينشغل بالأخلاق، ولا تؤثر فيه المبادئ الإنسانية السامية، ولا يبالي إلا بتحقيق الأرباح. فقد تاجرت في كلِّ شيء: البشر، وتوفير ملجأ للعملاء الذين خانوا أوطانهم، والطغاة الذين نهبوا بلادهم وأفقروا شعوبهم، وغسيل الأموال، وكل ما يَندى له جبينُ الإنسانية خجلاً. وها هي، اليومَ، تنتقل إلى مستوى أعلى في تجارتها الحرام، فتقوم بالاتِّجارِ في الحقوق الأصيلة للفلسطينيين والعرب والمسلمين في فلسطين، باعترافها غير المشروط بالكيان الصهيوني. سنبدأ من النهاية، فنقول إنه قبل أن تتشدق الإمارات بالحديث عن السلام مع الكيان الصهيوني، وإقامة علاقات طبيعية معه، عليها أن تكون مسالمةً مع الذين يُفترض أنهم أخوة أشقاء في الإسلام والعروبة، وأن تُطَبِّع علاقاتها مع الفلسطينيين واليمنيين والليبيين والسوريين وكل شعب ابْتُليَ بوصول مكائدها إلى بلاده، فنشرت الدمار والخراب والتخلف. ولذلك، فإن اعترافها غير المشروط بالكيان الصهيوني سيظل مرفوضاً من الشعوب التي أصبحت ترى فيها تهديداً وجودياً للإسلام والعروبة. وسنطرح ثلاثة أسئلة: الأول، ما الذي تلتقي فيه قيادة الإمارات والكيان الصهيوني؟. والجواب هو إن الإمارات تعيش عقدةً وجوديةً مزمنةً، تتمثل في وجودها التاريخي. فهي لا تريد أن يكون تاريخها جزءاً من التاريخ العربي الإسلامي، وإنما تسعى لتخليق تاريخٍٍ وهميٍّ يخصها وحدها، لا وجود فيه لدور الإسلام والعروبة، وإنما توجد فيه حضارةٌ إماراتيةٌ عريقةٌ غالبةٌ متفوقةٌ قاهرةٌ منذ ألاف السنين، وأن ما تقوم به لا يعدو كونه بعثاً لتلك الحضارة المُختَلَقة. ولأنها تدرك يقيناً أن أحداً لا يصدقها، ولا يقبل بسياساتها، فإنها تُعادي محيطيها العربي والإسلامي، وتعمل على تقويض الدول، وشرذمة شعوبها، وتسليط العملاء المتخلفين عليها. وبذلك، تلتقي رؤيتها مع رؤية الكيان الصهيوني الذي يحمل نفس الأوهام، ويُعادي نفس الشعوب. السؤال الثاني هو: ما هي المنافع التي ستحصل عليها؟. والجواب هو: إن تحالفها مع الكيان الصهيوني يعني مزيداً من الدمار والتخريب في الدول العربية بغطاء صهيوني سياسي وعسكري، مما سيُمَكِّنُ الأنظمة الديكتاتورية المستبدة من البقاء، لتستمر في ترسيخ حالة التخلف الحضاري الشامل، ونَهْبِ ثروات شعوبها، وإخضاعها بالدم والحديد والنار. مما سيضمن للإمارات، كما تتوهم، التحوُّلَ إلى مركزٍ لقيادة العالم العربي. وهنا، ينبغي التدقيق في جزئية هامةٍ تتعلق بتصريحات أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، في لقاء مع قناة صهيونية، حيث قال إن الإمارات والكيان الصهيوني هما أكبر قوتين اقتصاديتين وعسكريتين في المنطقة. ونسأل بدورنا عقلاء السعودية عن بلادهم ودورها وتأثيرها في المُخَطَّط الإماراتي، وهل ستكون بلادهم مجرد حديقة خلفية لأبو ظبي؟. إنه أمرٌ مخيفٌ أن تتحول السعودية إلى خصمٍ للعرب والمسلمين، والأشد إيلاماً أن تكون خصماً تابعاً للإمارات. السؤال الثالث، هو: مَنْ هم الأعداء المشتركون للإمارات والكيان، الذين يجعلون من تحالفهما أمراً لازماً؟. إنْ قالت أبوظبي إنَّ إيران هي العدو، فإنها تكذب؛ لأن إيران شريكٌ رئيسٌ للإمارات تجارياً، وعلاقاتها بها فوق الممتازة. وإن قالت إن تركيا هي العدو، فإنها تكذب؛ لأن تركيا ليست جاراً جغرافياً للإمارات، وليست عدواً لدول وشعوب المنطقة. إذن، منْ هو العدو؟، إنه شعوبنا العربية المتطلعة للنهضة والحريات والوحدة حتى في أدنى مستوياتها. فقد تبيَّن أن الديمقراطية لا تأتي بالخير للكيان الصهيوني؛ لأن الشعوب قد تختلف في كل شئ لكنها تلتقي في إيمانها بالقضية الفلسطينية. وبذلك، يكون هدف التحالف الصهيوإماراتي هو الحفاظ على الاستبداد والفساد والتخلف في ديارنا العربية والإسلامية خدمةً للكيان الصهيوني، والإبقاء على الوجود الإمبراطوري الوهمي للإمارات. الدافع الحقيقي للإمارات هو تقديم خدمة انتخابية لترامب على حساب الفلسطينيين والعرب والمسلمين، لأن أبو ظبي تدرك جيداً أن جميع الملفات التآمرية لها ولحلفائها أصبحت في مهبِّ الريح، وتتوهم أن بإمكانها التأثير في سياسات الولايات المتحدة بما تفعله. وننصحها بعدم تضخيم حجمها، وأن تفهم أنَّ الجميع لن ينسوا لها أدوارها بالتجسس على المقاومة البطلة في غزة، ولا قيامها بشراء بيوت المقدسيين لصالح الصهاينة، ولن يرضوا بأخذ تأشيرات منها للصلاة في الأقصى المبارك الذي لا تعترف هي وحلفاؤها بأنه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. كاتب و إعلامي قطري [email protected]