15 ديسمبر 2025

تسجيل

نداء الواجب

18 أغسطس 2018

هرولت مسرعة لتفادي درجة الحرارة المرتفعة في محاولة منها للحاق بمقر عملها الثاني في المبنى المجاور حيث تبدأ يومها وتنهيه بنفس التفاصيل التي تتكرر كل يوم وبنفس الأحداث مع اختلاف اسم اليوم فقط، كفاءتها هي ما قامت بترشيحها للعمل في إدارة أخرى فالعملين يتبعان لنفس الجهة مع اختلاف الإدارات. وما إن وصلت حتى تزاحم ضغط العمل على رأسها كما هي العادة بلا توقف..والغريب أنها لا تملك الوقت لتناول أية وجبة طعام، بل تعتمد في كامل يومها بما فيه من ضغوطات ومجاملات على الطاقة التي تسلبها بالقوة من الوجبة الوحيدة التي تتناولها ليلاً بعد عودتها للمنزل، وقد لا تأكلها أحياناً من شدة التعب والإرهاق، ولا يخلو الأمر من لومها أحياناً على أخطاء لم تقم بها. أضف إلى ذلك ما تعانيه مع عائلتها من تقريع وشجار مستمرين بسبب تأخرها وتفانيها المبالغ فيه للعمل خاصة أنها تعمل بدون مقابل، في حين قد يرفض موظف آخر أن يتأخر دقيقة قبل التأكد من إعتماد تلك الساعات كعمل إضافي يضاف إلى راتبه الشهري. لكن ضميرها يأبى إلا أن تتم عملها على أكمل وجه الأمر الذي ذاع صيتها في مختلف الجهات التي تتعامل معها، وبدأ يسطع نجمها لامعاً مقترناً بالغيرة منها أو فوقية التعامل معها. ولم تعلم أن نجاحها يزيد من قائمة أعدائها للأسف، وذات يوم (اخرجي من المكتب) هتف بها الموظف الشاخص أمامها فظنته يمزح لذا ابتسمت إلا أنه بادرها بغضب عارم أخرجي خارج مكتبي.. بُهتت!!! بل صُعقت!!! فلا يحق لموظف أن يطرد موظفا آخر من مقر العمل مهما كانت صفته الوظيفية فالمكان ملك للدولة وليست جهة خاصة. ومنذ تلك اللحظة سعت جاهدة لرد اعتبارها من الإهانة التي تعرضت لها بوجود العديد من الموظفين، ولكن..العدة كانت قد أعدت لنحرها في الخفاء. وكأن سعيها لدفاعها عن نفسها هي الفرصة السانحة لكثير من المتربصين ممن يخشون تألقها فتكالبت الأيدي لوأد وجودها، وتدريجياً تم استبعادها من كل مراكز القوة والعمل، وكان التهميش هو نصيبها لتعود إلى نقطة الصفر، مقر عملها الأساسي الذي بدأت منه، لتمارس الأعمال الروتينية العادية. وكل جريمتها أنها كانت تريد أن (تحق الحق) لها وللجميع مع إنها لم تكن مُجبرة بحكم القانون على العمل مجاناً فوق ساعات العمل الرسمية بأضعاف الساعات لكنها أجبرت بحكم الواجب والنداء الحي بداخلها ذلك الذي يُطلق عليه اسم (الضمير) ومات في أكثر البشر. وعند أول كارثة تم استدعاؤها لتسخير جهودها المميزة لحل تلك المصيبة وكون ضميرها لا يقبل بأقل من التفاني، وإحلال راتبها الذي من المفترض أنه يعطى لها مقابل جهدها، وجدت نفسها تعود لنفس الدوامة والعمل في مكانين مختلفين حتى انتهى العام المالي. انتهى بتجميد تقييم أدائها حتى إشعار آخر؟! وعند استفسارها عن الأسباب كان الرد أبرد من قطعة ثلج تصلبت في حلق طفل فخنقته  تم حرمانك من تقييم الأداء فأنت لا تستحقينه. ومجهوداتي؟!! أنتِ تبرعتِ بها. " لم يطلب أحد منك ذلك."