10 سبتمبر 2025

تسجيل

جزء من النص.. مفقود !

18 يوليو 2023

تهيأت لي الفرصة في عدة مصادفات أن التقي ببعض المهتمين بالقراءة، وتكرر عليّ سؤال لمن أكتب؟ وهل أتوقع أن الجميع سيُدرك أبعاد فكرة النص التي أطرحها؟ أو الوصول لعمق المعنى الذي أُريد إيصاله؟ ألا يُشكل ذلك تحدياً على نحو ما لدى الكاتب ؟ أن يجاري السائد في الطرح، أو أن يُراعي اختلاف أفهام من يقرأ ؟ وفي حقيقة الأمر أنني لا أنظر للأمر على أنه تحدٍ يمكنني مواجهته! بل على العكس أجد أنه من الممتع جداً أن أُدرك أن كل قارئ سيبصر النص بعين وعيه، ومن زاوية إدراكه الخاصة به.. التي تشكلت من مجموع عقله ووجدانه وفكره وشعوره وتجاربه وخبراته ! فستجد منهم من يكتفي بالقشور، فيبُهر بزخرف القول، ونسيج الأسلوب، ورقي الاختيار للكلمة، وقد يُعجب بأسلوب الكاتب، دون أن يفهم محتواه، وهذا أمر متوقع ومقبول. ومن القراء من سيُدرك جزءاً من الفكرة، وبعضاً من المعنى الذي يسعى الكاتب إلى إيصاله، وسيبقى جزء من النص دائماً.. مفقوداً ! وهناك من سيعي مرمى الكاتب تماماً، ويدرك أبعاد النص الذي كتبه ومغزاه. وهناك من سيُدرك ما لم يخطر على قلب الكاتب نفسه، و ربما يؤول نصه إلى معانٍ أخرى قد تصل أحياناً للنقيض ! هذا الاختلاف في الأفهام علامة صحية، بل وطبيعية، لأن الناس في حقيقة أمرهم مختلفون في مداركم، ومتعددون في مستويات وعيهم. وهذا هو الأصل حتى في اتجاهات النقد الأدبي، حيث قد نجد بعض النقاد يحللون النصوص الأدبية للدرجة التي لو اطلع عليها كاتبها لأدُهش مما تم تحليله والوصول إليه من المعاني، والأبعاد التي لم يظن يوماً أن تكون موجودة فضلاً أن يكون هو من قدمها !. ولذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وصيته (بلغوا عني ولو آية) والعلة في ذلك بينها في قوله: (فرب مُبلّغٍ أوعى من سامع) ! فلعل الذي سمعه بوعيه آنذاك، بمعطيات زمانه ومكانه لم يعِ ما وعاه من تم تبليغه إياه لا حقاً ! فالإدراك مختلف، وربما كذلك سياقات الزمان والمكان ومعطيات الفكر والوجدان! لذا فالأجدر أن يُدرك الكاتب مُبكراً أن اختلاف الأفهام واردٌ جداً، وأن لا يحمل ذاك الاختلاف على محملٍ شخصي، فكلٌ سيُبصر ما سيكتبه بعين وعيه هو ! وليس المعنى من ذلك أن لا يسعى الكاتب إلى التحسين والتجويد، أو أخذ ملاحظات من يقرأ في الاعتبار، ولكن المقصد أن يدرك أن نصه سيصبح دائماً حمّال أوجه، وأن هناك من سيكتفي بقشور ما يكتب، وأنه سيبقى من ستلامسه روح نصه.. وهناك من سيحلق معه بعيداً.. وسيفاجئه أن يضيف له ما لم يكن لديه في الحسبان ! لحظة إدراك: من المفيد حقاً أن يعي الكاتب أنه وكما يُقال أن كل امرئ يرى الناس بعين طبعه، فإن كل من سيقرأ له سيبصره بعين وعيه.. وجميلٌ أن يأخذ ذلك على محمل المتعة والاكتشاف، والتحسين والتجويد لما يكتب، بدلاً عن دخوله في دوائر التبرير والإثبات، ومهاترات الجدل والصراع، أو حتى الاستسلام للسائد والأكثر طلباً من الجمهور ليُرضي ذائقة معينة، أو يتماشى مع فكرٍ بذاته، أو يرتدي أقنعة تزيّف حقيقته ! فلا يستطيع بعدها لملمة شتات نفسه وفكره، أو استرداد هويتّه وبصمته، فلا أسف بعدها إلا على قلمٍ واعدٍ قد أهرق!