12 سبتمبر 2025

تسجيل

مع القصص القرآني

18 يونيو 2015

القصة بصورة عامة تعد من الركائز العلمية للإقناع بصورة عامة، وهي بذات الأهمية في القرآن العظيم، وهي تعتمد في تميزها باستنطاق التاريخ بصورة واقعية لا تعرف التلون ولا التجمل، وكذلك بصورة شاملة حتى لا تضيع معها فروع مهمة.وأهم ما يميز القصة في القرآن أنها لا تغفل البعد العاطفي وفي خطابها للعقل، ولا تغفل البعد العقلي في حدثها العاطفي، وتلك ميزة تفردت بها القصة القرآنية عن مثيلاتها من القصص الأدبي. وقد كان لهذا التميز مع الإعجاز في الأساليب البلاغية شأن القرآن دافعا جل المستشرقين إلى محاولة التشكيك في أي من مفرداتها غير أن محاولاتهم كلها كانت فاشلة لقوة الحق الذي عليه أهله، وضعف الباطل الذي قام المخالف لأجله.ونحن في هذه الإطلالة سنناقش كثيرا من مسائل القصة في القرآن مع بعض التطبيقات التي تجلي لنا تلك الأهداف، لكن قبل هذا لابد من تعريف بالقصة في اللغة والاصطلاح. أصل القصة في اللغة: المتابعة، وذلك أن القاص يتبع الخبر بعضه بعضا، قال تعالي "(وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ). أي تتبعي أثره. وقال تعالي "(فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً). أي رجعا من الطريق الذي سلكاه يقصان الأثر. والقص: البيان. قال تعالي: "(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)... أي نبين لك أحسن البيان. ومنه قوله تعالي: " (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). وقوله تعالي: "(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ). وبهذا تري أن القصة في أصل اللغة العربية حقيقة واقعة. لأن القاص تتبع الأثر، وأتي به مستوعباً كل وجوه الصحة والصدق فيه.ولم يختلف الأمر كثيرا في القرآن عن المعني اللغوي، قال تعالي "(إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ). أي الخبر الصادق. وقال تعالي: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ)..(نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ).وقد عرف أهل الفن القصة بأنها: إخبار الله عما حدث للأمم السابقة مع رسلهم، وما حدث بينهم وبين بعضهم، أو بينهم وبين غيرهم أفراداً وجماعات، من كائنات بشرية أو غير بشرية، بحق وصدق، للهداية والعظة والعبرة. وذلك كقصص آدم ونوح وإبراهيم وموسي وعيسي وداود وسليمان ولقمان وذي القرنين.... إلى غير ذلك من القصص المذكور في القرآن الكريم. وبهذا ترى أن القرآن الكريم أطلق لفظ القصص على ما حدَّث به من أخبار الأمم السابقة والقرون الأولى في مجالات الرسالات السماوية وما كان يقع في محيطها من صراع بين الخير والشر والحق والباطل. وهنا ملاحظة لابد من إيرادها: القصة في القرآن تختلف عن أي قصص أدبي من زاوية هامة ورئيسة وهي: أن القصة القرآنية لا تعرف الهوى ولا أنصاف الحقائق ولا يتدخل الخيال فيها قيد أنملة بخلاف القصة الأدبية التي يعمل الخيال فيها الجزء الأكبر. يقول صاحب كتاب: القصص القرآني في مفهومه ومنطوقه: "ومن المعلوم أن القصة الأدبية في القديم وفي الحديث لم تقف عند الحقيقة التاريخية وحدها بل كانت تعتمد على كثير أو قليل من عنصر الخيال الذي من شأنه أن يلون الأحداث بألوان غير ألوانها وأن يبدل ويغير في صورها وأشكالها، وذلك لكي تبدو الأحداث مختلفة في وجوهها عما ألف الناس أن يروها عليه"