24 سبتمبر 2025
تسجيل"تلك المظاهرة المضحكة التي سار فيها بضعة أنفار فقط فأثارت استهزاء عقلاء المدينة بسبب قلة العدد .. يومها أيضاً. قطعة معدن طائشة انطلقت من فوهة سلاح يحمله شرطي أحمق تخترق جسداً موعوداً بالخلود ". بهذا السبب يختصر إبراهيم الكوني في جديده الروائي " فارس الأحلام القتيلة " سبب نجاح الثورات العربية التي ساهمت لغة القمع في تأجيجها ونجاحها. وكانت الرواية الآنفة الذكر قد صدرت في سلسلة كتاب دبي العدد 63 المرافق لمجلة دبي الثقافية المنوعة العدد الأخير للروائي الليبي الذي سبق له نشر رواية سابقة عن ذات المصدر قبل عشرة شهور بالتمام والكمال في ذات الموضوع ، وذلك بعيد شهور قليلة من سقوط نظام الحكم الليبي السابق ، وفي تلك الرواية " جنوب غرب طروادة – جنوب شرق قرطاجة " يستعير الكوني جزءاً من تاريخ ليبيا القريب " حرب السنوات الأربع 1803 -1807 م " والتي تمكنت فيها ليبيا من صد عدوان الولايات المتحدة ، ولكن البطولة لم تمنع من انهيار الحكم الذي أسرف في استبداده. وذلك في إسقاط واضح للحالة الراهنة عربياً . ولكن الكوني لم يكتف بهذا العمل الروائي المفارق للغته الروائية السابقة ، بل فاجأنا في عمله الجديد " فارس الأحلام القتيلة " ينهل به من معين الأحداث السابقة التي فجّرت الثورة . في يوميات موزعة على ثلاثين فصلاً ، تؤرخ لشخصية يتماهى بها الروائي إلى حدّ بعيد :" مازلت أتساءل : هل كنت سأهبّ ، كما هبّ كل من هبّ ودبّ لو لم أعرف القتيل ؟ لا لاأدري؟" . وكان الكوني قد قارب موضوعة الثورة في روايته الأولى على استحياء فأبعد الحادثة التاريخية، ولم يكن التأويل في حاجة إلى كدح ذهني ، فالباشا وحاشيته ملأوا البلاد جوراً وظلماً وفساداً ، و العدو المتربص من كل الجهات ينتظر من كلّ الجهات ، ليعود السؤال العابر للأزمنة إلى بؤرة النصّ من تختار قريبك الظالم أم عدوك الديمقراطي؟ ولكن الكوني في روايته الثانية يحمل أدواته ويكتب من أرض الحدث ، محايثاً مناخ الثورة الشخوص و الأحداث فتتناثر في الرواية مفردات :" البوعزيزي - الجرذان - الزعيم - القناصة - اغتصاب القصّر - القصف - بنغازي" مقترباً من الأحداث التي تجري على لسان المدرس الخائب الذي واكب أحداث الثورة. وذلك في مسعى إلى توثيق الثورة بعين ثائر ليبي، يشترك في الأحداث، ويستذكر ما كان قبل الربيع الليبي وما حدث خلاله من بطولات، ولا يغضّ الطرف عن التداعيات التي أعقبت الثورة، وما حدث لحظة تقسيم الغنائم من قبل البعض. يهجر إبراهيم الكوني البيئة الطوارقية التي أثرت المكتبة الروائية العربية من خلال روايات إبراهيم الكوني ، الذي عاد إلى مفردات ليبيا الحيّة ، وكأن البيئة الجديدة التي يستمدّ منها الكوني مادة رواياته الجديدة كانت في حقل المسكوت عنه . وأنه هرب إلى الجغرافيا البعيدة . مثيراً الغرابة للمرة الثانية أيضاً في استعجال الكتابة عن حدث حار ، و بروايتين أخذتا منه جهداً غير يسير. يعيد الكوني في روايتيه سؤال الحرية الغضّ في كل زمان ومكان ، فالحرية شرط الإبداع الوحيد ، و الحياة الكريمة أثمن من أي عنفوان عابر. وبهذا فاستبداد الباشا وديكتاتورية الزعيم لم يكونا مبررين بالرغم من كلّ تسويغ.