10 سبتمبر 2025

تسجيل

وداعاً أبوعاقلة زهرة فلسطين

18 مايو 2022

لم تكن شيرين أبوعاقلة مراسلة قناة الجزيرة التي اغتيلت مؤخراً أولى الضحايا ولن تكون الأخيرة في استهداف الصحفيين بالطائرات الحربية الإسرائيلية وتدمير المؤسسات والطواقم الصحفية ومنازلهم وتدمير الأبراج التي تضم مقرات إعلامية محلية، بل هو سلوك منهجي في إستراتيجية قوات الاحتلال، من أجل إرهابهم ومنعهم من نقل انتهاكات ممارسات الاحتلال الهمجية بحق المواطنين العزل في الأرض الفلسطينية، ويأتي اغتيال شيرين كإحدى حلقات مسلسل الانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بأسلوب ممنهج يسلكه الاحتلال لمنع وصول أفعاله الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل للعالم أجمع، وعاشت أبوعاقلة كبيرة بتضحياتها وعطائها وماتت كبيرة وهي تؤدي عملها بمهنية وحملها المقاومون على أعناقهم فقد أدت رسالتها وترجلت، وأثبتت أن القتلة في كل مكان يحملون نفس النسخة من الطغيان، ولكن هل أدينا نحن رسالتنا وواجبنا تجاه فلسطين وبلداننا أرضًا وشعباً، المثير للسخرية أن الاحتلال الصهيوني ادعى في تحقيقاته أن استهداف شيرين على يد أحد جنود الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة جاء عن "طريق الخطأ". خطة ممنهجة أما الأكثر إثارة ذلك المنشور على موقع التواصل الاجتماعي الشهير" فيسبوك" الذي حول بوصلة القضية في اتجاه آخر، فعقب يوم عمل شاق، خلع الناطق الإعلامي باسم جيش الاحتلال "أفيخاي أدرعي" بزته العسكرية، ليدخل في غفوة سريعة، ليستيقظ مواصلاً مهامه بالاطلاع على آخر التقارير الواردة حول تداعيات الموقف في القدس عقب اغتيال شيرين أبوعاقلة، التي ترصد ردود الأفعال الغاضبة داخل القدس المحتل والتضامن غير المسبوق تنديداً باغتيال شيرين، لم يشهده العالم منذ استشهاد محمد الدرة. وتناول مهندس العلاقات الإعلامية للكيان الصهيوني زجاجة من مشروبه الروحي المفضل، ليصب أول كأس، ويحدد هدفه لأنه يفهم سيكولوجية المواطن العربي، ليكتب على صفحته المزورة على فيسبوك والتي يسميها (فلسطين في القلب): هل يجوز إطلاق لقب شهيدة على شيرين أبو عاقلة ؟؟؟!!! ثم يواصل احتساء مشروبه، منتظرا التعليقات. سريعاً تبدأ التعليقات ليكون التعليق الأول من أبو علي المصري: "طبعا لا يجوز لأنها مسيحية وهذا كفر"، ثم رد آخر من أبو حسن البحريني: "أكيد يجوز وأنت يا متطرف لا تتحدث باسمنا وباسم الدين!". يتبسم أدرعي ويحتسي كأسه الثاني، متابعاً التعليقات.. فهذا تعليق جديد من شاب لبناني: "هي دافعت عن فلسطين صحيح لكنها ليست شهيدة.. فالشهادة للمسلمين فقط"، فيرد عليه شاب أردني:" انت يا ابو التبولة لا يحق لك تنصيب نفسك مكان الله على الارض فشيرين شهيدة". وتتوالى الردود والتعليقات على الصفحة المزورة بالمئات ممن يؤيدون لقب شهيدة ليسبوا الرافضين، ومن يرفضون يوجهون السباب أيضا للفريق الآخر. أغمض "أفخاي أدرعي" عينيه وتبسم ودخل في غفوة مرة أخرى بعد أن تأكد من الوصول لهدفه وليطمئن على مستقبل دولته الصهيونية. هذا دائما ما تلجأ الآلة الإعلامية لأسلوب رخيص - والتي يجب أن نعترف أنها تعمل بمنهج وأسلوب محترف لا مثيل له ينساق - للأسف - دائما وراءه الرأي العام نحو ما تريده هي لإبعاده عن الحقيقة لتتفرغ هي لمعركتها الأساسية المعروفة للجميع من التاريخ والواقع بالضرورة. هي الأنفع للأمة لقد فقدنا الطريق من تحت أقدامنا، فدخلنا في خلافات الفرقة التي يسعى إليها العدو، وألوم هنا شبابنا اللاهث لفتح خطوط تواصل مع رجل يمثل دولة قامت على الاغتصاب وارتكاب المجازر والتهجير. "أبوعاقلة" التي نكتب عنها اليوم لم تكن صحفية بقدر ما كانت مرابطه بالقدس وكل فلسطين ومجاهدة ومقاومة محبة الناس لها وتعاطفهم معها ما هي إلا محبة إلهية تستحقها عن جدارة. ونحن ندرك أن شيرين مسيحية لا نشاركها عقيدتها، ولكننا نتشارك معها في كل شيء بدءاً من دفاعها عن قضية الأمة بصوتها الصادح في تقاريرها الإعلامية، وانتهاءً بدمائها التي كتبها التاريخ. محدودية الإنسان وحتمية الموت وقصور الحواس أمور ثقيلة على النفس تجعلنا نحترم فكرة أن روحاً صَعدَت إلى السماء على اختلاف مشاربها ومعتقداتها، هي بين يدي ربها الذي لن ينتظر نقاشاتنا العميقة وجدل "السوشيال ميديا" ونحن نفتش عن هويتها وديانتها وأصلها وفصلها وهل هي أهل لرحمة الله أم مستحقة لعقابه؟ عاشت شيرين كبيرة بتضحياتها وعطائها وماتت كبيرة وهي تؤدي عملها بمهنية وحملها المقاومون على أعناقهم، فقد أدت رسالتها وترجلت، وأثبتت أن القتلة في كل مكان يحملون نفس النسخة من الطغيان. هنا سؤال مهم: هل أدينا نحن رسالتنا وواجبنا تجاه فلسطين وبلداننا أرضًا وشعباً وتجاه مقدساتنا وقيمنا التي تُدَنس وتمسخ ليل نهار؟ سوف نُسأل أمام الله عن سعينا وجهدنا ولن نُسأل عن دين شيرين وهويتها ومصيرها. إلا أن المؤكد أنه في الوقت التي كانت شيرين فيه تتحدى اليهود وتحمل قضية فلسطين ومسجدها الأقصى بكل تضحية وشجاعة، هي أنفع للأمّة من ألف إعلامي كاذب، ومن ألف متشدد موتور لا يعرف من الدين سوى الغلظة والجفاء، وما لنا إلا أن نردد ما قاله الحق تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء...) يعني الأرض والسماء وما بينهما من جماد وحيوان فما بالك بالإنسان والإنسانية. كسرة أخيرة: "ثمة في فلسطين من يعيش النكبة تلو الأخرى" هكذا قالت شيرين أبوعاقلة في تقريرها عن الذكرى 74 للنكبة الذي أعدته قبل يومين من اغتيالها، وبثته الجزيرة يوم الذكرى بعد خمسة أيام من وفاتها، لترسلي رسالة للعالم نعلم أنك تصرين على تأكيد هذه الحقيقة وتوثقين بروحك ودمك… كي يفهم من لم يفهم. شيرين التي تجمعت حولها كل الطوائف الدينية والقوى السياسية والاجتماعية الرسمية والشعبية رغم خلافاتها واختلافاتها. فهل سيأتي اليوم الذي يستطيع فيه الإنسان أن يلزم الصمت حين يموت أحدهم ويحترم فكرة أن روحاً صعدت إلى السماء؟! شكرا شيرين.. فقد كنت جزءا أصيلا من كشف انتهاكات الاحتلال، شكرا شيرين التي أكدت وحدة الأمة. الكاتبة الصحفية والخبيرة التربوية ‏[email protected]