11 سبتمبر 2025
تسجيلهو حوار دار بين ابن وأبيه في خمس آيات حوت إحدى وخمسين كلمة، لكنها وضعت أنموذجا عمليا واقعيا في أدب الولد مع أبيه واستخدام كل الوسائل التي تبين له الحق وترشده إليه، فالآيات الخمس تضم فنوناً من التربية متنوعة، وأساليب للدعوة بديعة باهرة، نقف عند ثلاث منها: 1 — أسلوب استثارة العاطفة: ببيان راق وأسلوب مبهر كرر الخليل كلمة (يا أبت) في بداية كل معنى أراد إيصاله له، كررها أربع مرات في أربع آيات: (يا أبت) إنه تعبير يستثير به عاطفته ويذكره بأنه زرعه الذي زرع وسنده الذي يتكئ عليه، وكأنه يقول له: أنت (أبي) وإن عظم ذنبك حتى وصل إلى الكفر البين. أنت (أبي) وإن خالفتني في أعظم قضية مصيرية. أنت (أبي) ولن يحجب برك في قلبي عظم ما فعلت. هي استثارة قلبية وعاطفية بكل ما تعنيه الكلمة.2 — أسلوب الاستفهام الاستردادي: وهي من الأساليب العلمية الحديثة، ويعني بها طرح استفهام جوابه فيه لأجل أن ينتبه السامع إلى فساد معتقده من خلال السؤال ذاته، يقول الخليل لأبيه: يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر؟ هو سؤال صادم لأنه أشبه بزلزال أتى على غير توقع لا يملك إنكاره ولا النجاة منه.3 — أسلوب التوكيد الذي يحمل الثقة بقوة الحق الذي يعتقده: "يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك" هي ثقة مؤكدة ويقين جازم لا يملك المخالف أمامه إلا التسليم لقوة الحق أو المكابرة حق القوة والتي قد ينتصر بها المخالف في جولة لكن لا يكتب له دوام السيادة، فأضعف الناس حجة أكثرهم صراخا وتهديدا.لجأ آزر إلى القوة الباطشة فقال: أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا. هو حجة كل عاجز حين لا يقدر على رد المنطق ولا يحسن أداوته، يستدعي مباشرة من الأرشيف الفرعوني عضلاته لأنها مريحة له عند العجز.بهذه الجهالة تلقى آزر دعوة ولده إلى الهداية. وبهذه الغلظة قابل لين الخطاب، لكن شتان بين قلب هذبه الإيمان وقلب أفسده الطغيان، لم يغضب الخليل ولم يفقده ذلك بره وعطفه وأدبه مع أبيه، فقال: سلام عليك.. لا جدال ولا أذى ولا رد للتهديد والوعيد.إنها رسالة حسنة لكل من يتطاول بالحق أو بما يراه حقا على أبيه، لن تكون قطعا في مقام إبراهيم وأبوك ليس آزر، والأبوة لها حقها المفروض الذي ينبغي أن يؤدى، ولو كان صاحب الحق كافر بالذي وضع الحق له!