21 أكتوبر 2025
تسجيلتعمل دول مجلس التعاون الخليجي الشيء الصحيح من خلال استثمار جانب من إمكانياتها المالية الموجودة في مجالات تتمتع فيها اقتصادياتها بمزايا تنافسية والسعي لتعزيزها أينما كان ممكنا. مؤكدا، يقتضي الصواب الاستخدام الأمثل للثروات حتى ولو كانت تتميز بالضخامة كما يتجلى من الفوائض المالية للموازنات العامة والثروات السيادية للمنظومة الخليجية. لحظ الحسن، الحالة المالية مريحة بشكل نوعي لأسباب لها علاقة بالعوائد المالية. تكفي الإشارة إلى وقوع ثلاث دول أعضاء في مجلس التعاون ضمن قائمة أفضل 10 دول في العالم فيما يخص نصيب الفرد كما تجلى حديثا من خلال نشر البنك الدولي تقرير المقارنة بين نحو 200 اقتصاد في العالم. بل تتربع قطر على عرش نصيب الفرد من الناتج المحلي على الصعيد الدولي بدخل يفوق 146 ألف دولار. استنادا لأحد التقييمات، نجحت دول مجلس التعاون فيما بينها بتحقيق فائض قدره 147 مليار دولار في موازنات السنة المالية 2013. لكن يتداخل هذا الرقم بصورة جزئية مع العام 2014 حيث تمتد السنة المالية في كل من قطر والكويت ما بين أبريل ومارس. وتبين بأن البحرين هي الوحيدة بين دول مجلس التعاون الخليجي والتي سجلت عجزا في نتائج موازنتها العامة. فقد بلغ العجز 1.3 مليار دولار في السنة المالية 2013 أي قرابة 4 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي الأمر الذي يتناقض مع أحد شروط مشروع الاتحاد النقدي الخليجي والذي يصر على تقييد العجز عند 3 في المائة من قيمة الناتج المحلي. عموما، تعد إحصائية العجز أفضل من الرقم المعتمد عند إعداد الموازنة وقدره 2.2 مليار دولار، إذ تحقق ذلك على خلفية تعزيز الدخل النفطي من جهة ومراقبة النفقات من جهة أخرى.وربما كان الحجم الفعلي للفائض المالي لعام 2013 أعلى من المشار إليه بالنظر لتبني الدول الخليجية في المجموع سياسيات مالية محافظة كخيار استراتيجي. على سبيل المثال، تضع الكويت 10 في المائة من الفوائض لحساب خاص للأجيال القادمة قبل الوصول للرقم النهائي للفائض. تهدف هذه السياسة المالية إلى ضمان عدم تمتع أي جيل بالثروات النفطية للبلاد على حساب الأجيال القادمة.ثم هناك قيمة الثروة السيادية التابعة لحكومات دول مجلس التعاون والمقدر بنحو 2.2 تريليون دولار في شهر أبريل كما جاء في تقرير للمعهد الدولي لصناديق الثروة السيادية والذي يعد مرجعا في هذا الصدد. يشكل هذا الرقم نحو 35 في المائة من الثروة السيادية العالمية وقدرها 6.4 تريليون دولار. وحسب تقرير صحفي، ارتفعت القيمة التراكمية للاستثمارات الخليجية لأكثر من الثلث في السنوات الخمس الأخيرة على خلفية استمرار بقاء أسعار النفط مرتفعة لفترة زمنية غير قصيرة بل منذ احتواء الأزمة المالية العالمية في العام 2008. وحدها الإمارات بما في ذلك صندوق خاص لإمارة دبي تستحوذ على 974 مليار دولار أو 15 في المائة من الثروة السيادية العالمية. كما تتمتع ثلاث دول خليجية أخرى وهي السعودية والكويت وقطر بثروات سيادية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. بالعودة للوراء، تعتبر الكويت رائدة في هذا المجال حيث سبقت الدول الخمس الأخرى بتأسيسها لصندوق سيادي في العام 1953. وقد تأكد بالدليل الدامغ أهمية توافر الاحتياطي حيث وظفت الكويت جانب من إمكانياتها المالية لتمويل حرب التحرير من جهة وتقديم العون المادي للمواطنين خلال فترة الغزو والاحتلال ما بين عامي 1990 و 1991.بعد هذه المقدمة نسلط الضوء على فرص توظيف جانب من هذه الفوائض لتحقيق مستوى من التنوع الاقتصادي. بل توفر فوائد الموازنة العامة والثروات السيادية فرص لإنجاز تنوع اقتصادي أينما كان ممكنا. بدورنا، نميل لتعزيز مواطن القوى في الاقتصاديات المحلية أو القطاعات التي فيها مزايا تنافسية مثل قطاعات الخدمات. تشمل بعض هذه القطاعات الطيران والخدمات المالية والضيافة.بمعنى آخر، ربما لا يكون من المناسب بالضرورة ضخ أموال ضخمة في القطاعات الصناعية مع بعض الاستثناءات. نقول ذلك بالنظر لتركيبة القوى العاملة حيث تشكل العمالة الوافدة الأغلبية في دول مجلس التعاون. وفي هذا الصدد، لابد من التأكيد على تميز الاقتصاديات الخليجية بين مختلف الاقتصاديات العالمية بإفساح المجال أمام العمالة المغتربة من مختلف دول العالم. في المقابل، يمكن تفهم تطوير مجالات صناعية مرتبطة بالقطاع النفطي مثل البتروكيماويات لأسباب يمكن تفهمها بالنظر لكون السعودية وقطر أكبر مصدري النفط الخام والغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم على التوالي. جميل كلام أحد المتابعين للشأن الاقتصادي الخليجي بأن دول مجلس التعاون تفتقر للتقنية اليابانية من جهة والكلفة المتدنية للإنتاج من جهة أخرى حتى تتمكن من تحقيق إنجازات غير عادية في القطاع الصناعي. ويضاف لذلك مسألة قيمة العملة المحلية كعائق للتصدير وخصوصا بالنسبة للكويت حيث تعتبر عملتها الأعلى قيمة في العالم. مؤكدا، ليس من اليسير للموردين استيراد منتجات من الكويت بالنظر للكلفة. طبعا يختلف الأمر عند الحديث عن النفط لكون هذه السلة الإستراتيجية مسعرة بالدولار الأمريكي.وربما يوفر قطاع الطيران ميزة تنافسية خاصة لبعض الاقتصاديات الخليجية وخصوصا دبي والدوحة وأبو ظبي. وقد فرضت بعض المطارات الخليجية نفسها على خارطة الطيران على الصعيد الدولي، إذ لا يجد عدد من المسافرين بدا من السفر عبر المطارات الخليجية للوصول لبعض الوجهات. ويبدو جليا بأن قطر في طريقها لتعزيز مكانتها في عالم الطيران من خلال تشغيل مطار حمد الدولي. كما يعد قرار الخطوط الجوية القطرية بنقل جميع عملياتها التشغيلية للمطار الجديد بتاريخ 27 مايو توجها صحيحا للاستفادة من الإمكانات المتوفرة في هذا المرفق العصري والذي تكلف إنشاؤه أكثر من 15 مليار دولار.