11 سبتمبر 2025

تسجيل

قراءة في الدلالات والتداعيات الأوسع للرد الإيراني

18 أبريل 2024

رد إيران على إسرائيل محدود بالفعل، لكن دلالاته وتداعياته أوسع وأخطر. هكذا هي القراءة الصحيحة للرد الإيراني، إذا تجاوزنا مسألة "الرد المحدود" في حد ذاته، والتي تجعل مسار التحليل يذهب في اتجاهات غير موضوعية. ركزت أقلام كثيرة على أسباب الرد الإيراني المحدود، وعكس كثير من هذه الأقلام خلاصات غير موضوعية وغير متزنة تماما، وذلك من قبيل: انكشاف هشاشة القوة الإيرانية، فشل قوتها الهجومية، خوف إيران من المواجهة.. إلى آخره. وإلى جانب عدم موضوعية هذه الخلاصات؛ فإن صب زاوية التركيز فقط على أسباب الرد المحدود يجعلنا نتغافل عن الدلالات الأوسع والخطر لهذا الرد في حد ذاته. رغم كونه ردا محدودا، لكنه مباشر. إذ للمرة الأولى منذ اشتداد الصراع القائم بين إسرائيل وإيران منذ أربعة عقود، تنخرط إيران في مواجهة مباشرة مع إسرائيل. ودلالات ذلك كبيرة وخطيرة، ومنها، انتقال الصراع فعلياً من مربع الصراع غير المباشر عبر الوكلاء والاغتيالات والحرب السيبرانية إلى مربع المواجهة المباشرة. يعرف المتخصصون وصناع القرار وحتى الإسرائيليون وحلفاؤهم، أن إيران لا تخشى المواجهة أو الحرب الشاملة مع إسرائيل على الإطلاق، لكنها لا تحبذها بالقطع نظراً لتداعياتها المدمرة، أو على أقل تقدير لا تريدها في الوقت الراهن. لأسباب كثيرة ترتبط معظمها بخطط واستراتيجيات إيران التي تتسم بالصبر والذكاء إلى حد بعيد. فضلا عن أنماط تنفيذ هذه الخطط المعتمدة على المناورة بأوراق كثيرة، ومنها الوكلاء. والحقيقة أن تلك الخطط تحقق نجاحات كبيرة، وتقرب إيران من أهدافها الاستراتيجية ومن أبرزها امتلاك سلاح نووي ردعي. وعلى إثر ذلك، يتكشف لنا بصورة ما لماذا كان رد إيران محدودا. فمن ناحية هو تجنب لمواجهة شاملة مع إسرائيل وبالطبع الولايات المتحدة في غير أوانها. ومن ناحية أخرى، رسالة مباشرة واضحة لإسرائيل بعدم التمادي في الاعتداء على إيران ومصالحها، وقدرة واستعداد إيران بالتبعية لخوض حرب مباشرة أكثر شراسة. وهذا ما أكدته التصريحات الإيرانية الرسمية بعد الرد، بالقول إن هدف الرد الأساسي كان مجرد تحذير لإسرائيل. وستواجه إسرائيل ردا أعنف في المرة القادمة إذا استمرت في نهجها المعادي لمصالح إيران وسيادتها. ومن الدلالات والتداعيات الخطيرة للرد الإيراني، والمهمل أو المتغافل الإشارة إليها. هو تداعيات الرد على الداخل الإسرائيلي. إذ ضاعف الرد الإيراني من الشكوك المتعلقة بنظرية أمن إسرائيل الحصين، وكذلك قد ضاعف من مخاوف وشكوك يهود الداخل حول مستقبل العيش في إسرائيل. والتي قد تنامت بصورة كبيرة بعد طوفان الأقصى، حيث اضطر آلاف اليهود من مزدوجي الجنسية إلى الفرار من إسرائيل. فالرد الإيراني حتى ولو كان محدودا، وتصدت الدفاعات الإسرائيلية له بكفاءة-كما تزعم إسرائيل- لكنه ينذر يهود الداخل بمزيد من جولات المواجهة الشرسة بين إسرائيل وإيران في المستقبل القريب. لا سيما بعد انتقال الصراع من المربع غير المباشر إلى المباشر كما ذكرنا. وعليه أيضا، فتشدق قادة إسرائيل بتحقيق انتصار في هذه المعركة ينطوي على سوء تقدير وقصر نظر ضحل للغاية. وعلى مستوى آخر بالغ الأهمية، أعطى الرد المباشر لإيران قوة دفع كبيرة لحركات المقاومة المسلحة ضد إسرائيل. وذلك بحسبان أن إيران تقود المقاومة ضد الكيان الصهيوني المغتصب أراضي عربية بصورة غير مشروعة عملا بقواعد القانون الدولي. خلاصة الأمر، الرد الإيراني المحدود على إسرائيل لا يعكس خوفا أو ضعفا إيرانيا. بل يعكس في حقيقة الأمر رسالة تحذيرية عقلانية لإسرائيل من مغبة التمادي في استفزاز إيران. إذ كيف توصم إيران بالخوف أو الضعف من إسرائيل، أو ضعف قدراتها. في حين أن واحدا فقط من وكلائها حزب الله قادر على ردع إسرائيل بأسلحة إيرانية، ومسبب لها تهديدا أمنيا مزمنا. وعلى كل الأحوال، رغم أنه محدود، إلا أنه قد نقل الصراع إلى المربع المباشر، وضاعف من مخاوف يهود الداخل بشأن وجود ومستقبل إسرائيل. وربما الأهم أنه سيعيد الحسابات الإقليمية والدولية لتفادي استفزاز إسرائيل ومنع حرب إقليمية واسعة. لا سيما وأن إسرائيل تسعى بشتى الطرق لتوريط واشنطن في حرب مع إيران للإجهاز تماما على كابوس القنبلة النووية.