18 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ أن اجتاح الإعلام الرقمي عقول المُتلقين، تأزم الإعلام التقليدي فأصبح في محك بين أن ينافس الإعلام الرقمي في تقديم محتوى يجذب المتلقين وبين أن يُهجر ويكون موضع انتقاد وربما ظل البعض يتابعهم ولبرامج معينة أو نشرات الإخبار والمباريات الرياضية فقط. وخلال السنوات الاخيرة انتشرت منصات إلكترونية تتيح للمتلقي فرصة مشاهدة الأعمال الدرامية المميزة ودون إعلانات وفي الوقت المناسب للشخص دون الحرص على موعد بث ذاك المسلسل في وقت معين بناء على جدولة البرامج لتلك القناة أو غيرها، ولنعترف أن الإقبال على متابعة التلفزيون تضاءل مقارنة بمواقع الإنترنت التي تعرض المسلسلات والافلام الحصرية وبكل اللغات ولكل شركات الإنتاج المُنوعة وبأفكار جديدة قد يناسبنا البعض منها ونتجاهل ما لا يناسبنا، ولكنها دخلت المنافسة الإنتاجية فنجد تهافت شركات الانتاج على حجز مكان لاعمالها في تلك المنصات التي يمكن مشاهدة بعضها بالمجان أو مقابل اشتراك رمزي يتيح للعائلة بكاملها متابعة ما يناسب ذوقها وفئاتها العمرية. الوضع ذاته للإذاعة التي تقلص مستمعوها إلى قائدي المركبات أثناء تنقلاتهم في السيارات، وبعد انتشار مواقع الاغاني المجانية أصبح معظم الناس يستمعون إلى اغانيهم أو برامجهم المفضلة وهم في السيارة والكثير هَجر الإذاعات التي كانت مُتنفسا للمستمعين بدءا من السبعينات وإلى آخر خمس سنوات تغَيّر الذوق العام وتوجه الاغلبية لمواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت التي تتيح لكل شخص ان يكون مذيعا ويقدم موضوعا يشاركه مئات الأشخاص دون قيود وحدود معينة، وأصبح المتلقي يقضي وقته في السيارة متنقلاً بين هذه المواقع ويسمع ما يناسبه ويخطط جدولة برامجه بعفوية وفقاً لمزاجه ووضعه. هذا التطور يُلزم صنّاع المحتوى في الإعلام التقليدي بالخروج عن المألوف وبالبحث عن مبدعين في كافة المجالات، لتقديم ما يدخلهم المنافسة مع الإعلام الرقمي الذي استحوذ على إعجاب الصغار والكبار، فالأغلبية إن لم يكن الكل اصبح مولعاً ببرامجه الخاصة على تلك المنصات بل حتى الأطفال أصبحوا منذ نعومة أظفارهم يتابعون عن طريق أجهزتهم اليدوية برامج تحاكيهم بعفوية وبأسلوب محبب لهم وينشؤون عليها، بل وللأسف قد تصل عند البعض لدرجة الإدمان، ويمكنك رصد ذلك في الأماكن العامة فترى الاطفال منشغلين عن العالم حولهم بأجهزتهم اليدوية إما يلعبون مع اصدقائهم الافتراضيين أو يتابعون برامج قد يكون محتواها متواضعا، ولكنها بعفوية تحاكي ذائقتهم وتمتعهم وترسم الضحكة على وجوههم وقد يتعلمون منها رغم بساطة الانتاج وربما عدم وجود أي تكلفة إنتاجية لتقديم تلك البرنامج إلا أنه يصبح ترند عند اليافعين، بل ويشتهر مقدمو تلك البرامج بشكل واسع ويكسبون شهرة ومالا من الاعلانات المقدمة قبل وبعد البرامج على تلك المنصات، وهذا يوصلنا إلى حقيقة أن التقليدية في تقديم المحتوى أصبحت لا تتناسب والذوق العام لكل الفئات العمرية، لأن الجميع أصبح على وعي وعلى معرفة بما يحدث، ولم يعد الإعلام التقليدي المحرك الأول للرأي العام كما كان في زمانه الاول، بل كلنا يعرف أن الاعلام الجديد ومنصات شبكات التواصل الاجتماعي أصبح يرسم توجهات الرأي العام بل وقد قامت الثورات العربية من خلاله في حين أن بعض وسائل الاعلام التقليدي يبث محتوى جامدا وكأنه من كوكب آخر ولا يحاكي الواقع الذي يعيشه الشباب والذي أبهر المتقدمين في العمر وأدمنوا عليه أيضاً، وعندما يُصر القائمون على الإعلام التقليدي على وضع خطط لبرامج تنتمي لحقبة الثمانينات فهم يُصرون على طرد المتلقين عن قنواتهم، فصناعة المحتوى ليست بالمادة المقدمة فقط بل تشمل الديكورات والإخراج الفني وطريقة التقديم في البرامج والأعمال الدرامية التي تنزل درجات للأسفل كل عام، وكأن المنتجين على تلك الاعمال لا يشاهدون فن الاعمال الجديدة التي تعرض على المنصات الرقمية، فالقصص هي نفس القصص منذ الأزل ولا تجد قصة مميزة أو حبكة درامية، الصراخ وعرض وجوه مصطنعة من كثرة العمليات التجميلية وأزياء مبالغ فيها إن كانت رثة أو يظهر عليها العز وفقاً للشخصية وكأن المجتمع الخليجي والعربي فقير أو غني فقط ولا توجد طبقة وسطى، تكرار القصص بزوايا مختلفة أصبح واضحاً، واخطاء إخراجية لا تنتهي في "الراكور" وتسلسل المشاهد واستخدام بعض الاكسسوارات أو تلك اللقطة التي انتشرت موخراً لأحد المسلسلات التي يمسك فيها الممثل جهاز الموبايل بالمقلوب ويتحدث في مكالمة!. أين العفوية والطبيعية والإقناع التام الذي نشاهده في الاعمال الدرامية الغربية بل وحتى الآسيوية، فالاحداث تجعلك جزءا من العمل وتعيش تفاصيله وتشعر بالتشويق في كل مشهد، وتفاجئك الاحداث بتشعباتها ويصعب عليك التكهن بالنهاية غير المتوقعة، فمتى يتعلم صنّاع المحتوى طريقة جذب المتلقين ومتى يبتعدون عن التقليدية في إنتاجهم ويكونون أكثر واقعية ويحترمون عقول وذائقة الجمهور الذي أصبح أكثر وعياً لما يقدمه الإعلام التقليدي المهجور!. • صناعة المحتوى فن وإبداع ويحتاج إلى فريق مبدعين مطلعين على الثقافات يتبادلون الآراء ولديهم وعي بالواقع والإعلام الرقمي وتطور الذوق العام ليتمكنوا من إنتاج محتوى ترفيهي ممتع وهادف يمكن أن يكون له مردود مادي، ويتحرر من حصرية شاشات التلفزيون ويحجز له مقعداً متميزاً في المنصات الرقمية!. [email protected] @Amalabdulmalik