28 أكتوبر 2025

تسجيل

من يدخل الحكي؟

18 أبريل 2016

أصبحت عادة أن يطلب مني كثير من الأصدقاء، أو حتى غير الأصدقاء الذين التقيهم لقاءات عابرة في الشوارع أو الأسواق أو السفر، أن أكتبهم في واحدة من رواياتي القادمة، يقولون هذا وهم يعتقدون جازمين، أن بإمكان الكاتب أن يفتح بيته النصي لإسكان كل من يريد متى شاء ذلك، غير مدركين أن للكتابة طقوسها ومزاجيتها الغريبة.تلك واحدة من إشكاليات الكتابة، أن لا تنفتح دائما، أو أن تنفتح حين لا يريد الكاتب ذلك، وتنغلق حين يريد، والذي يملك التجارب لابد يريد كتابتها كلها، لكن ذلك لا يحدث أبدا. هناك أناس بطبعهم شخوص روائية، أسماؤهم روائية، ضحكاتهم، تصرفاتهم، وكل شيء فيهم يوحي بالكتابة، عكس آخرين، لا تستطيع أن تقترب منهم الكتابة مهما حاولت، وحتى أولئك الذين يمكن تصنيفهم شخصيات روائية، قد يحتاجون إلى كثير من المكر والصبر حتى يدخلوا النص. وقد أخبرني أحد الأصدقاء الكتاب، أنه ظل لعشرين عاما يطارد شخصا يعمل جرسونا في أحد المقاهي، أحس به سيثري نصا يريد كتابته، إلى أن استطاع إدخاله أخيرا في رواية جديدة وكان كلاهما قد كبر.. الكاتب وشخصيته. ومنذ أكثر من عشر سنوات، تحوم حولي شخصية الآسيوي الذي يدعي بأن رجله مكسورة، ويمشي عشرات الأميال يوميا.. أمتص تلك الشخصية كلما صادفتها، أدير معها حوارات عديدة، وتأبى حتى الآن أن تتسكع في نص جديد.لكن بالمقابل، هناك شخصية سريعة الولوج، شخصية المقتحم الذي لن يترك نصك أبدا، وسيدخله حتما، وقد حدث لي ذلك في روايتي (زحف النمل) التي صدرت في مصر وبيروت بعد ذلك في طبعة جديدة.. الشخصية شبه الرئيسية كانت لشخص اقتحم هدوئي وأحاله إلى صخب، وتحول سريعا إلى كتابة مؤلمة، أبت أن تسكت حتى اكتمل صراخها في زحف النمل. أيضا شخصية عبد القيوم دليل في روايتي الأخيرة: منتجع الساحرات، إذ كان إحدى الشخصيات العادية، التي التقيتها في حياتي، وبالرغم من ذلك دخل مبجلا إلى الرواية.والآن ماذا أقول لذلك الرجل الفندقي الأنيق الذي التقيته في مصر وطلب مني إدخاله نصا؟.. ماذا أقول لذلك الطبيب الذي أدى لي معروفا، وطلب أن يكتب، وماذا أقول للعشرات الذين قد لا يعرفون كيف تكتب النصوص، ومن أين تأتي بوقود تشغيلها؟.. لا شيء يمكن أن يقال سوى قد يكتب يوما أحد وقد لا يكتب أبدا.