26 أكتوبر 2025
تسجيلمازال الشعراء يكتبون، لم ترفع أقلامهم، ولم يجفّ حبر صحائفهم، ولكنّنا خائفون على مصير الشعر، كقوّة ومصدر جمال للثقافة العربية، وبات للشعر يوم، كما هو حال المهمّشين والآيلين إلى الانقراض. نعرف أنّ الشعر تسرّب في أكثر من جهة أدبية أو إعلامية دعائية، فلم تعد قصيدة ترحّل قبيلة عن مضاربها كما فعل بيت جرير :" فغضّ الطرف أنك من نمير"، فهذا يمكن أن يفعله برنامج إعلامي ذائع الشهرة كالاتجاه المعاكس، ولم يعد ديوان شعري يطبع الطبعة العاشرة أو حتى الثانية كما تفعله رواية حديثة وليس شرطاً أن تكون مكتملة فنيّاً، ولم يعد شاعرٌ يجذب الحاضرين خلا عدد متواضع، يلتمس لذلك وسيلة بعد وسيلة. الشاعر ليس نجم المرحلة، ففي عصر الصورة تراجعت الكلمة، وبات على الشاعر أن يتدبّر لكلماته بيتاً يسمونه الديوان، سيدفع ثمن طباعته من لقمة أولاده، وعلى الشاعر أن يمشي درب الجود المُفقِر والإقدام القتّال، فالشاعر الشاعر ليس بائعاً في دكاكين السياسة، ولا إمّعة في الحروب الأهلية، الشاعر الحقّ يرى بعين أمّته البوصلة، ويكتب بحبر مشاعرهم، وهو وإن تخالفت فرادنيّته مع اتجاههم إلا أنها تظلّ غير بعيدة. الشعر في يومه، والشعراء يكتبون، والشعر قليل، وصوتنا الآن يخبو، فقد عجزت كلّ البرامج الإعلاية عن ترجمة ألَمِنا، ألمنا الذي ظلّ في الأرض، يصيح كجمجمة موتور، ألَمُنا الذي مشّطته الخطوب على عجل، ألَمُنا المنتظر كي يغنّي لأول قصيدة حقيقية تعبر البلاد بخفّين من عشب.لم تعد القصيدة تفلح في الصراخ، ولا في البكاء الحارّ على قبر كليب، القصيدة الآن مدعوة إلى أن تصغي في هدوء إلى هذا الخراب المدبّر، وأن تقف عليه وتعبر إلى أملٍ جديد، يخطف الجمال المنتظر إلى فضاء رامبو الذي لم يذقه ريش. **الشعر لم يرحل بعد، لأننا في أمسّ الحاجة إليه.