13 سبتمبر 2025
تسجيلتزعم الروائية السورية مها حسن أن مراهقي الحارات الذين يلعبون الكرة في الشارع ويعاكسون الفتيات العابرات بألفاظ سوقية، صاروا يعايدونهنّ عبر الفيسبوك، الذي عدّل سلوكهم وهذّبه، وهذا ما يحمد لموقع التواصل الشهير الذي أحدث ثورة بحسب الكاتبة في أقاصي الأرض. يصعب التعالي – تنظيرياً- على العمّ فيسبوك ونحن نستظلّ بحيطانه أكثر مما نستظل بحيطان أهلنا، ولكننا اليوم بعد سنوات من انتشاره نقلّب في الأمر على مهلٍ، بين من يراه إحدى الثورات المهمة بداية الألفية الثالثة، ولعله أهم ما وسم هذه البداية، وبين من يراه حبل غسيل عام نشر الجميع عليه ثيابهم، وتبادلوا مسرّات النميمة، و الاعترافات العابرة، وفضفضات المقاهي وألعابها، دون فائدة تذكر على صعيد الإبداع، ولهذا كان كثير من الكتاب يغادرون حارة الفيس بعدما أحسّوا بالضجر، فصفحات الأصدقاء متشابهة ولا فائدة كبيرة من إضافة أصدقاء جدد.تشبه صفحات الفيس المتنقلة خيام البدو الرحّل التي تلحق منابت العشب في كل ربيع، وتضربها أياماً معدودة تنقضي بتعارفٍ وعلاقات عابرة أنجبت عشرات القصائد الجميلة التي فتحت معاني جميلة في الوداع بعد الألفة، و الحنين إثر الفراق، فكم من صفحة مهمة على الفيس طويت وضاعت، أو بهتت أخبارها وفقدت أعضاءها، صفحات الفيس تتبعت مساقط الغيث الإخباري، وأنشئت على عجل صفحات متناسلة تجمع وتؤلّب وتغطّي الأحداث، وأعطت كلّ من يمتلك حساباً في البريد الإلكتروني (إيميل) الحق في منبر شخصي، يخط فيه حصة أفكاره وأحلامه ويكتب عن يومياته، ويقول كلمته، في هايدبارك عالمي لا يحدّه مكان، فاق عدد سكانه مليار مستخدم، ويمكن القول إن سدس سكان العالم يستعير فضاءات الفيس بوك، دون كلفة مالية تذكر. إن هذه القوة المتنامية تلعب دوراً فاعلاً في تكوين الاتجاهات ومعرفتها باستبانات قصيرة لا تكلف الزائر سوى ضغطة زرّ، الأمر الذي يثير شبهة في تلك الروائز العابرة التي تستنهض فينا العواطف الإنسانية أو الدينية لمعرفة نسبة الذين يؤيدون مذهباً أو ديناً أو نادياً رياضياً أو فكرة.بعد عشرة أعوام من اختراع ماك زوكر بيرج وتناميه إلى درجة تصلح لقراءتها درامياً، فقد استطاع هذا الموقع أنسنة العالم الضارع في الشرور، وأن يرتفع به فوق جراحه في رحلات متناثرة نحو الممتع والمفيد. لم يخطر في بال مايك زوكر أن اقتراحاً طار من الفكرة إلى الفعل سينقل العالم إلى مقهى عام جمع كل أسباب التواصل، من النميمة إلى القرار السياسي، في المقهى ذاته الذي يطوف به الصعلوك رفقة النجم الفنان رفقة الرئيس الذي يمكنك دخول صفحته دون الخوف من حرسه الشخصي.