14 سبتمبر 2025

تسجيل

يكفي أن أقولها لك

18 فبراير 2014

ما نحصده وإن كان على المدى البعيد هو كل ما قد سبق لنا وان غرسنا بذوره في وقت سابق، ولطول الزمن الذي يفصلنا عن لحظة الغرس تلك ولحظة الحصاد نصدق أن ما قد غرسناه وإن كان بذرة سيئة لن تفوح رائحته أبداً، ولكن يمتد الوقت بقدر ما يريد القدير حتى نعود إلى لحظة الحقيقة التي يمقتها كل من بدأ بطريقة خاطئة ولم يكن ليستعد لها يوماً، فهي تلك التي نسأل الله ألا نواجهها والخطأ يكبلنا من كل جانب (اللهم آمين).تفرض علينا الحياة مواجهة الكثير في سبيل تلقي ما هو أكثر، ومن تلك الأمور التي يتوجب علينا تلقيها والحصول عليها (الخبرة) التي تصبح تراكمية بفضل ما نواجهه ومن نواجهه في حياتنا، والحق أن التواجد بين الأول لا يوازي الثاني بتاتاً، فما نواجهه من ظروف وإن صعبت علينا إلا أنها لا تكون مؤلمة بقدر ذاك الألم الذي يتسبب لنا به من نواجهه في حياتنا، ويجعلنا من بعده أكثر تبعثراً وتعثراً، وبكلمات أخرى فإن ما نعاني منه مهما كبر حجمه فسيظل صغيراً أمام من تسبب لنا بتلك المعاناة، والذي يُقبل علينا وهالة من الشر تحيط به وتتبعه في كل مكان يكون فيه، وهو ما يجعلنا نشعر بتوتر شديد متى اقترب منا تصاحبه تلك الهالة، التي نُفضل الابتعاد عنها بكل وسيلة ممكنة، فنبتعد ونبتعد حتى نصل إلى بقعة بعيدة تبعد كل البعد عن حياتنا الطبيعية التي يجدر بنا التمتع بها دون أن يعكر صفوها أي شيء، ولكن والفضل لمن يفرض علينا هذا البعد فإننا نُضَيع من حياتنا لحظات جميلة لن ندرك جمالها الحقيقي حتى نُقرر مواجهة تلك الظروف ومن قبلها كل من تسبب لنا بألم لابد وأن ينتهي حتى وإن لم يكن في مهده؛ لأنه وإن لم يكن فسيتفاقم الوضع ولأصبحنا نهيم بين طيات غربة فضفاضة لن نجد فيها قلوبنا بسهولة أبداً، ما لم نقرر البحث عنها وعلى الفور.حين نفكر أحياناً بالشر الذي يعاني منه من يعاني ويستغله في التسبب بالأذى للآخرين نشعر بالأسى من شدة التفكير بتلك الأسباب التي سمحت له بأن يتمادى في شره؛ ليعذب من حوله دون رحمة، لكننا إن فكرنا بشكل جدي في الأمر؛ لاكتشفنا أن هذا الشر لم يكن ليظهر فجأة ودون مقدمات، بل ودون مرحلة أولية كان من الممكن أن تدفن وهي في مهدها إن أدركها الأسوياء، وضبطها الأقوياء، وتحمل مسؤوليتها الآباء، ولعل ما سيأخذك نحو ضرورة السؤال عن معنى هذه الكلمات الأخيرة سيكون كالتالي: وكيف يكون ذلك؟ ومن هم الأسوياء، الأقوياء، والآباء؟ بل وما شأنهم بهذا الموضوع؟ ولكم مني هذه الإجابة التي خرجت من واقع تجارب الحياة، والتي نكسبها ونكتسبها من أهل الخبرة فقط: الأسوياء الذين أتحدث عنهم هم من يدركون أن السنوات الأولى من العمر هي الأكثر تأثيراً في حياة الإنسان، والتي يقوم عليها ما سيتبقى من العمر، فإن مرت بسلام ودون التعرض لصدمات قوية كان هو الوضع ذاته مع صاحبها، الذي سيكبر؛ ليدرك كيفية مواجهة حياته بأفضل الطرق المشروعة، التي ستمكنه من الخروج بما يريده حتى من قبل أن يدخل عليه. أما الأقوياء فهم من يدركون كل ما سبق ويملكون القوة الكافية؛ لتنفيذه على أرض الواقع، بتوعية المجتمع بالأضرار الممكن وقوعها على الأفراد جراء الاستهتار بسلوكيات الأطفال، الذين يعدون كصفحة بيضاء تتلون بحسب ما نضيف عليها من ألوان، فإن بهت لونها فبفضل الألوان التي اخترناها، وإن تألقت بألوان بهيجة فهو بفضل ما نقوله ونفعله. وفيما يتعلق بالآباء، فهم من يقع على عاتقهم النصيب الأكبر من المهمة؛ فإن لم يفكروا بما سبق وما كان قبله، فلن يُقدموا على أي شيء يمكنه تهذيب وتشذيب أطفالهم؛ كي يمدوا المجتمع بعناصر واعية ومُدركة لأهمية الاحترام، الذي يعني التجرد منه انطلاق مشروع (شخصية متنمرة) في المجتمع، ستبدأ صغيرة بأفعال صغيرة حينها، ولكن سرعان ما ستكبر؛ ليكبر شرها الذي سيقع بضرره على الآخرين، ومن يدري كيف سيكون وقعه؟ والمضحك في الأمر المؤلم أن ما سيحدث حينها كان من الممكن ألا يكون إن تمت معالجته منذ البداية، أي منذ أن كان الشر في مهده صغيراً، واللبيب بالإشارة يفهم. خلاصة القولإن ما أرغب بأن نخرج به من هذه الكلمات السابق ذكرها هو أن نُحسن تربية أطفالنا بما سيعود بنتائجه الإيجابية علينا قبل غيرنا، فلا نستهين بالسلوكيات التي يعودون بها من المحيط الخارجي، وتتعارض مع قيمنا، والحديث عن المحيط الذي يتجاوز حدود البيت، وتتشارك فيه جهات أخرى وشخصيات أخرى لها مكانة في حياتهم تُعززها الضرورة، لكنها لا تُبرر لهم فرضها علينا وعلى أطفالنا الذين سيتولون زمام الأمور يوم غد، ويجدر بنا أن نهتم لكل صغيرة وكبيرة تخصهم دون أن نتجاوز أي شيء وهو ما لا يستحق منا ذلك؛ لأنه وإن كان فعلاً فإن ما سنحصده حينها هو ما لا نقبله ولن نفعل، ولكنه سيكون الثمن الذي سندفعه نتيجة استهتارنا منذ البداية، ويبقى السؤال: هل ترغب بأن ينتهي الأمر عند هذا الحد؟ ويكفي أن أقولها لك: القرار قرارك.