14 سبتمبر 2025

تسجيل

اسمع مني.. لا تسمع عني

18 يناير 2023

يقول، بعد أن ترك وظيفته قسرا وانتقل إلى وزارة أخرى؛ لقد كنت موظفا نشيطا أقوم بكل مهام عملي بكل نشاط وسعادة، كنت أساعد في حل جميع مشاكل المراجعين بحكم خبرتي، ولكن تغير رئيس القسم في معاملته وأصبح قاسيا جدا وصار عملي لا يعجبه بعد أن كنت الرقم واحد في القسم إلى أن علمت السبب في ذلك وهو أن أحدهم أخبره أني أريد إزاحته عن رئاسة القسم لأحل مكانه، وهذا لم يحصل أبداً، ليته سألني قبل أن يقدم على تصرفاته تجاهي. يحدث ذلك السلوك في الأسرة بين الإخوة والأخوات ويحدث أيضا ضمن نطاق العمل وفي المجتمع بين الأفراد المختلفين وفي السياسة وغيرها، والهدف منه عادة تنحية فرد من مكانته المتميزة أو منصبه، بسبب ما يتمتع به من مزايا ليست لدى الأطراف الأخرى مما يثير الغيرة والحقد في نفوسهم وهذا يشمل الجنسين، رجالا ونساء. ولعل في قصة سيدنا يوسف أكبر مثل عندما أمر العزيز بسجنه بناء على مكيدة من امرأة العزيز ولم يستمع له، وعندما أخرجه من السجن بعد سبع سنوات سأله العزيز عن ما حدث، وعندها فقط عرف أنه سجنه زورا وبهتانا. لذلك نقول: ينبغي عليك الاستماع لكل الأطراف أولا، ولا تحكم على طرف دون الاستماع للطرف الآخر فتشارك في ظلمه وإيذائه. فاسمع مني ولا تسمع عني، وهذه قاعدة حياتية مهمة جدا اليوم، فكم من علاقات هدمت، وكم من أشخاص تركوا عملهم أو فُصلوا بسبب كلام نُقل على ألسنتهم بما معناه؛ أن هذا الموظف يريد منصبك أو يريد أن يحتل مكانك! اسمع مني ولا تسمع عني إذن، فالإشاعة يخرجها الحاقد، وينشرها فاسد ويصدقها فاشل. على مر التاريخ عانى الكثير من هذا السلوك المشين، والأمثلة كثيرة، الإمام الشافعي على سبيل المثال كاد أن يفقد حياته بسبب ما نقل عنه إلى هارون الرشيد لولا تدخل أحدهم، والإمام أحمد بن حنبل عندما سجن كان ذلك بسبب كلام قيل عنه. الهدف تفكيك المجتمع وزرع البغضاء بين أطراف المجتمع. إن من يسعى للإضرار بالآخرين إنما يؤذي نفسه أولا بظلم نفسه، والجزاء من جنس العمل، ستزوره أفعاله ويراها ويتذكر من سبب لهم الأذى. قد لا يدرك المرء مدى سوء وعواقب خسارة أحدهم وظيفته. وإن من أحد الأسباب التي تدعو مثل هذا الشخص لهذا السلوك الذميم هو الإضرار بسمعة من ينقل عنه هذه الأقاويل الكاذبة. ويكمن الحل بعدم الاستماع لمن يسلك هذا السلوك المشين ومواجهة الأطراف لمعرفة الحقيقة الكاملة بشكل مباشر. وعلينا أن نعرف أن الدين الإسلامي قد جرَّم هذه الممارسات التي تؤدي إلى القطيعة والبغضاء بين الناس وبين أفراد الأسرة الواحدة وبين الأصدقاء بل وبين الأشقاء أحيانا، والرسول صلى الله عليه وسلم قال "لا تفسدوا على أصحابي". إذن نعود لنؤكد القاعدة "اسمع مني ولا تسمع عني"، فلعل ما وصل لك ليس كما حصل بالفعل. ولمن نقل الأكاذيب نقول لن يُجديك شيئا تحطيم الآخرين بالغدر والأكاذيب زورا وبهتانا، فكما تُدين تدان وسُيصيبك ما أصبت به غيرك. أما النصيحة التي نوجهها لمن يتقبلها فهي؛ غادر المكان وغادر الأشخاص ولا تلتفت وراءك أبدا لأنك حينها لن تندم على قرارك. وبطبيعة الحال فإن الفرد إذا زاد عمره ونضجه، ما عادت له رغبة بالجدال وكثرة القيل والقال، وصار كثير التجاهل والتغافل، وتأكد بأن مزاجه أغلى ما يملك، فلا يضيع وقته في جدال فارغ، وكان أقرب لملء وقته بالصالح من العمل المفيد. وختامها بالمثل الشعبي الذي يقول؛ "من حكى لك حكى فيك"... كل هذا وبيني وبينكم...