10 سبتمبر 2025

تسجيل

ولو أرادوا الخروج لأعدوا

17 ديسمبر 2023

إن الطريق إلى اللّه واضح بيّن مستقيم، والطريق متى ما وضحت معالمه وصح قصد سالكه فإنه مدرك غايته ولا بد. فما يتردد عن الحق ويتلكأ إلا الذي لا يعرف طريقه، أو يعرفه ويتنكبه اتقاء متاعبه! وهذا ينطبق على كل من يتعامل مع قضايا الأمة سلبا أو إيجابا، فالذي يعرف الطريق جيدا؛ يدرك أن عليه واجبا لابد أن يؤدى، فلا ينتظر إذنا ولا حثا، بل يبادر بفعل ما أوجبه الله عليه. أما المتردد فإنه دائم البحث عن معاذير يرطب بها خاطره، أو يضحك بها على بقايا ضمير يظنه حيا. هذان الصنفان من الناس ذكرهما الله في كتابه بأبين أسلوب وأحكمه وأعمقه، يقول الله: (لا يستأذنك الذين يؤمنون باللّه واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم واللّه عليم بالمتقين*إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون باللّه واليوم الآخر وارتابت قلوبهم، فهم في ريبهم يترددون) هذه هي القاعدة التي لا تخطئ: المؤمن بالله واليوم الآخر ماض في طريقه، مساند لقضايا أمته، ملتمس طرق الهداية، لا يبكى على ما ضاع ويندب حظه، بل سائر ببصر حاذق وبصيرة مطمئنة نحو واجبه تجاه دينه وأمته، لا يتلكأ في تلبية داعي النفرة في سبيل اللّه بماله أو نفسه، بل مسارع كما أمره سيده: طاعة لأمره، ويقيناً بلقائه، وثقة بجزائه، وابتغاء لرضاه. تكاد العين تبصر الطائفة المؤمنة الصادقة؛ ببذلهم وعطائهم الدائم، لا يحتاجون إلى من يستحثهم، فضلاً عن الإذن لهم. إنما يستأذن أولئك الذين خلت قلوبهم من اليقين فهم يتلكأون ويتلمسون المعاذير، لعل عائقاً من العوائق يحول بينهم وبين النهوض بتكاليف العقيدة الملزم وهم مرتابون فيها ومترددون. ضع هذه القاعدة أمام كل من يتعامل مع الأحداث القائمة اليوم في (غزة) وما تفرضه العقيدة على كل مسلم مؤمن بالله واليوم الآخر، من وجوب مساندتهم في قضاياهم بالدعاء والمال ومقاطعة عدوهم ونشر قضيتهم، والمدافعة عنهم في كل محفل ينبغي فيه الدفاع. إنك ناظر فواجد الناس ساعتئذ قسمان: قسم لا يستأذن فيما يجب عليه؛ انطلاقا من إيمانه بالله واليوم الآخر. وآخر لا يفعل ولا يسكت، بل ولا يحسن غير ذلك؛ انطلاقا من عقيدته التائهة ودخيلته الفاسدة. ولسائل أن يقول: أليس خروج هذه الطائفة الأخيرة من الصف خسارة للأمة؟ والجواب: بل وجودهم في الصف هو الخسارة بحق!( وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) لكن أليس لو كانوا في الصف لكثر بهم المسلمون واستفادوا عددا أمام عدواهم؟ ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) هل بين لنا القرآن علامات يعرفون بها؟ (إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ) ما الواجب على أهل الإيمان معهم، وبم يجيبونهم؟ (لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا، فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ) أي والله صدق ربي وهلكوا وكذبوا، وإنا لها قائلون: فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُون.