14 سبتمبر 2025

تسجيل

إلى اللغة العربية

17 ديسمبر 2014

منذ خيمةٍ مفتوحة على المُطلق، أفتح باب الألفةِ وأهشّ على غنمي، منذ عنزةٍ أفلتت من حظيرة عطيّة الخطفي لحقها ابنه جرير، فشرد بعيداً وترك الماعز إلى بائيةٍ لم تبقِ ولم تذر، منذ سماء كاملة شيدتها ميسون الكلبيّة في مربعات دمشق، ها أنا ذا أعود إلى الصحراء في إهاب معلّم صبيان، له ما للحجّاج في صنعته الأولى، وعليه ما على الخليل بن أحمد في هجرته الأخيرة، ها أنا أمدّ وعاء من خوص، منتظراً أن تهطل عليّ اللغة حروفاً ملوّنة، وصوراً لحكماء اليمن، ومجانين بني عذرة... وفرسان نجد، فمن يحيّي سلمى نيابة عن بشامة بن حزن النهشلي، ومن يجلب الطبيب إلى ليلى المريضة نيابة عن قيس بن الملوّح، ومن يعتذر للنعمان بن المنذر نيابة عن النابغة الذبياني، ويغمض عينَي مالك بن الريب على شجر الغضا؟ **منذ ورقة في يد طفلٍ في قرية بعيدة، التقطها من الأرض وقرأها حرفاً حرفاً، إلى كتابه الصغير الذي انكتب عنوانه بحروف نافرة، منذ أوّل إعراب حتى آخر نظرية، منذ غيمةٍ في يد إيليا أبي ماضي، توقفت عن الركض قليلاً، ليسأل سلمى الجديدة عن مآلات الحزن في البيت الذي كان خيمة إلى مطر بدر شاكر السياب الباحث عن وجه أمّه في البروق حين قالوا له: " لابدّ أن تعود"، منذ فتيات امرئ القيس على غدير، إلى قلب نزار المطحون بحب الشام وياسمينها، منذ التحدّي الأول للفصاحة البدوية في كلام جديد مغدق مثمر" وما هو بقول بشر" إلى فاتحة تُقْرَأ بمليار شفة، منذ السيوف البواتر التي لمعت كثغر فتاة في مضارب صحراء نائية إلى السيوف التي تلمع في مسلسلات رمضان بسرديات عرجاء، منذ أولاد أبي ذؤيب ضحايا الأمراض الجديدة التي تفشّت في الأوطان الجديدة، إلى أطفال دير ياسين وبحر البقر والعامريّة وأطفال سوريّة الذبيحة منحورين بسكين الحرب والجوع والتشرّد والكيماوي. ** يا أمّي الجميلة الثرّة لا الثرثارة، يا أمّي المتعبة ببنيها الراطنين الراكنين الراكعين الوادعين؛ أكتب سارقاً من صرّتك التي هناك، ريشة الصانع وألوان النقّاش، سارقاً الباء والتاء والثاء، سارقاً حبراً ممزوجاً بجموح عبس، وعزّة كليب، ورقّة البحتري، ومرح أبي نواس، وحرقة أبي فراس، وخيبة ابن زريق البغدادي، ودهشة علي بن الجهم، وأمل المهجريين بالعودة، وزهد العذريين بالدنيا.أحاول أن أكتب إليك، عن النزف والعسف، والذّلة والعلّة، والداء والأعداء، أكتب عن وجع حافظ إبراهيم، وحلم معروف الرصافي، عن زمان يتمدّد ومكانٍ يتعدّد، وعن وطنٍ مجرور، وحربٍ تدور، عن حال منصوبة، وكان المغلوبة. يا أمّي ويا سيّدتي، يا قلعتنا الأخيرة، وبياننا الذي (لم نحافظ عليه مثل الرجال)، وبستاننا الذي أحرقناه شجرة شجرة كرمى لعين الشتاء.• أيتها اللغة الوطن