11 سبتمبر 2025

تسجيل

كأس العالم 22 عبقرية الزمان والمكان

17 نوفمبر 2022

(الدوحة)... إن كان الاسم يدل على المسمى فقد كان اسمها (البدع) وهو لا ينفك عن الإبداع، ثم (الدوحة) وهي شجرةٌ غناء طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء يتفيأ ظلالها الباحثون عن قيم الخير والحق والجمال، والمتطلعون للسلام والمشرئبون لسماوات وفضاءات الفكر، والثقافة، والعلم، والمعرفة. الدوحة (جوهر) و (مخبر)، تاريخ تليد وحضارة ضاربة بجذورها في عمق الزمان بشقيها العربي والإسلامي وهي تتطلع للعالمية بهوية تحتوي تراثاً غنياً ثرياً بقيمه ومعتقداته وأعرافه وآدابه وعاداته وتقاليده والتي تخبر عنها اللمسات الفنية التي ازدانت بها معالم المدينة من منشآت وقلاع ومتاحف فأصبح لكل مبنى معنى. عبق التاريخ والأصالة وثراء الحضارة وروح المعاصرة ثلاثية تعانق ثلاثية التنمية والحداثة والنهضة تمثل المبتدأ لخبر مرفوع (العالم كله جاء). لم يكن اختيار قطر لتنظيم هذه التظاهرة الأكثر شعبية على مستوى العالم ولأول مرة في الشرق الأوسط ضربة حظ ولا خبط عشواء ولكن استحقاق عن جدارة ففي الثاني من ديسمبر 2010 أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم ( فيفا) منح قطر شرف استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 وكانت المنافسة مع دول لها وزنها ومكانتها على المستوى العالمي (استراليا – اليابان - كوريا الجنوبية -الولايات المتحدة الأمريكية) فما قدمته قطر من رؤية وجاهزية جعل الملف القطري يتفوق على ملفات هذه الدول، وأبهر اللجنة التنفيذية التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) فكان الاختيار وعمت الأفراح وكان عالمنا العربي بين مصدق ومكذب ومشفق ومشكك وكانت عبقرية القيادة وجرأة القرار وقبول التحدي. وكانت القناعة الراسخة بأن كأس العالم لن يكون نهاية الأحلام الكبرى، بل محطة على درب التقدم والازدهار، ولبنة في البناء الوطني وتعريف بالهوية القطرية، بل الإسلامية والعربية ورصيد للتنمية الشاملة المستدامة وإيذانا بأن العالم يتجه نحو الوحدة التي طال انتظارها وتشوق لها ردحا من الزمان. وبالرغم من أن الطريق لم يكن مفروشاً بالورود، حققت قطر إنجازاً، بل إعجازاً أعجب الأحباء والأصدقاء وأدهش الأعداء وألْجم ألسنةَ الغُرماء، وهكذا أثبت القطريون قيادة وشعباً أن عزم الرجال لا محالة طائل شُمَّ الجبال، كما قال أبو القاسم الشابي: ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر والدوحة باستضافتها لكأس العالم لن تكون عاصمة للرياضة فحسب، بل عاصمة للسلام والثقافة والفنون والدبلوماسية العامة بمعناها الشامل وإن نجاح قطر في إدارة التنوع الثقافي والتعامل الواعي مع هذه الأبعاد لا يقل عن نجاحها في البنية التحتية والتنظيم الدقيق. و(قطر) الآن لا تخطئها العيون إلا من عمى، ولا الآذان إلا من صمم، ولا القلوب إلا من سقم، فهي الآن ملء السمع والبصر والفؤاد. وستظل (الدوحة) أنشودةً حُلْوَةً على ألسنة كلِّ من رأى وشاهد هذا الحدث العظيم وهذا التنظيم الفخيم. وحُقَّ لكل عربي مسلم أن يرفع رأسه فخراً وعزاً ويهتف بصوت عال: ها نحن نقدم نسخة فريدة من كأس العالم مُتَدَثْرِين بِقيمنا وأخلاقِنا ومُتَزَمِلين بهويتنا وتراثنا، وكما قال الشاعر العربي: نحنُ أناسٌ لا توسطَ عِندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبر أما نحن أهل السودان فلقطر قيادةً وشعباً عندنا مكان في الوجدان، مزدان بالمحبة والمودة والعرفان، وحُقَّ لنا أن نهنئ إخوتنا وأشقاءنا في قطر على هذا الإنجاز والإعجاز والذي يعبر عن أمتنا العربية والإسلامية والأفريقية، التي تتطلع للخروج من مؤخرة الركب البشري لتكون في مقدمة الركب الإنساني، وأن نعلن عن فرحتنا الغامرة واعتزازنا بهذا الجهد المقدر الذي ينم عن عبقرية وعزيمة وجسارة لقيادة تتمتع بمحبة وثقة شعبها وتقدير شعوب كثيرة على المستوى الدولي والإقليمي. وأبناء السودان يقفون جميعهم وبكل فصائلهم وفاء وعرفانا ومحبة مع أشقائهم في قطر وهم ينوبون عن أمتنا العربية والإسلامية ويتحملون هذا العبء ويلهجون بالدعاء لتحقيق نجاح باهر يسر الأصدقاء ويقفون خلف العنابي وفرقنا العربية والأفريقية لتحقيقِ حظٍ أوفر لأمتنا في قائمة المتصدرين. والسودان وهو يحتفي مع قطر ومع أمته يمتثل قول شاعره الفذ حسين بازرعة رحمه الله والتي تغنى بها عملاق الفن السوداني عثمان حسين رحمه الله: أفديك بالروح يا موطني فأنت دمي كلما أقتني تراثُ كرامٍ ومجدُ العرب وسفرُ كفاحٍ روته الحقب بناءُ جُدودي ومأوى أبي وتاريخُ شعبٍ كريمٍ أبي نسمتُ شذاها وطيبَ ثراها وذوبُ هواها جرى في دمي يعزز في السَيرِ من مَقْدمِي جامعة حمد بن خليفة وزير خارجية السودان الأسبق