15 سبتمبر 2025

تسجيل

طرائفُ عربيةٌ

17 نوفمبر 2020

قبل أيام، كان مذيعٌ في إحدى القنوات الفضائية المصرية منفعلاً بشدة، وهو يتحدث بحماسةٍ عن ترامب كزعيمٍ قويٍّ، ويهاجم بايدن بألفاظٍ مُقذعةٍ. وفجأة، صمتَ لثوانٍ، ثم قال إنه تلقى خبراً مفاده أن الرئيس السيسي أرسل برقية تهنئة لبايدن، وعاد للحديث فأخذ يهاجم ترامب الذي لا يعرف للدبلوماسية معنى، وينشر الفوضى في العالم، ويمدح بايدن بأنه رجلٌ دبلوماسيٌّ هادئ حكيمٌ. وفي نفس اليوم، كان رأس هرم التطبيل والنفاق الإعلاميينِ: عمرو أديب، يتحدث عن وجوب فوز ترامب لأنه رئيس قوي لدولة قوية، وأن الشعب الأمريكي بحاجة إليه. ويبدو أنه تلقى الخبر الذي تلقاه زميله، لكنه كان أكثر احترافيةً منه، نظراً لخبراته الطويلة في النفاق، فأخذ يتحدث عن الديمقراطية التي تتيح للشعب اختيار رئيسه، فيكون فوز ترامب أو بايدن أمراً طبيعياً. لكن الأكثر طرافةً، كان ما قاله معتز عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الذي بدأ حياته صغيراً بوصلة تطبيل ونفاق لحسني مبارك، ثم تطفل على ثورة 25 يناير 2011م، وقفز منها إلى أحضان الانقلاب عليها في الثالث من يوليو 2013م. فقد كان واضحاً في أن ترامب كان نعمةً للنظام الانقلابي، بينما سيكون بايدن نقمةً عليه لأنه سيحاسبه على جرائمه ضد معارضيه، وعلى تحويل مصر، دولةً ومجتمعاً، إلى كيانٍ عسكريٍّ لم يشهد التاريخ مثيلاً له في الاستبداد والفساد وسوء الإدارة. هذه المشاهد الثلاثة، تختصر الحالة الرسمية المصرية في التعامل مع الانتخابات الأمريكية، لأن الغياب الكلي للشعب المصري عن إدارة شؤون بلاده، جعل من استمرار النظام الانقلابي بنفس آلياته في الاستبداد والفساد مرهوناً بكونه أداةً لقوى خارجيةٍ تدعمه. وبالطبع، فإن أعظم تلك القوى هي الولايات المتحدة، أما أبوظبي فإنها منشغلةٌ باستعداداتها لاحتمال تولي بايدن الرئاسة، ولا يعنيها، في قليل أو كثير، شأن موظفها الذي عينته رئيساً لمصر، بل إنها تعمل على إغراقه أكثر فأكثر في صراعات لن ينتج عنها إلا مزيدٌ من تهميش مصر، وإفقار شعبها، وزيادة عزلتها دولياً وعربياً. وفي جانب آخر، كان موقف عبد الخالق عبد الله، مستشار ولي عهد أبوظبي، فريداً من نوعه. فقد تميز الرجل بتحولاته المسرحية السريعة والمفاجئة من النقيض إلى النقيض، إذ كان أشد إسلامية وعروبةً من الجميع في مواقفه الرافضة كلياً للعلاقات مع الكيان الصهيوني، ثم انقلب على مواقفه في مشهد مسرحي مبتذل فأعلن أنه مع قيادة بلاده في كل ما تراه لصالح الإمارات. المهم، هو أن الرجل كاد يتمزق حماسةً وهو يتحدث عن وجوب فوز ترامب لأن بايدن سيفتح قنوات للتواصل مع الإسلاميين، وسيسعى لتقوية القوى المناهضة لسياسات الحلف الصهيوعربي. وفجأةً، قام بمشهد مسرحي آخر، فأعلن أن بايدن هو السياسي الذي يحتاج إليه العالم للتخلص من الآثار المدمرة للترامبية السياسية. التغيرات المسرحية لعبد الخالق، تشير إلى أنه يتعامل مع الشأن الأمريكي كما تتعامل قيادته مع الشأن المصري، ويتخيل أن الناخبين الأمريكيين سيتأثرون بما قاله دعماً لترامب، أو أن بايدن سيلتفت إليه، أو أن المؤسسات الأمريكية ستخاف من تلميحه بقطع التمويل الإماراتي، فتندفع لإرضاء أبوظبي بفرض ترامب على الشعب الأمريكي، مما يؤكد أن عبدالخالق لم يزل يعيش أوهام الحلم الإمبراطوري لقيادة بلاده، ولا يريد الاعتراف بحجمها الحقيقي الضئيل في المنطقة والعالمينِ العربي والإسلامي، والمجتمع الدولي. نعود للفكاهة الإعلامية المصرية؛ فقد انطلق المتطفلون على الإعلام والفكر والثقافة، ممن يُسَمون أنفسهم بالإعلاميين، في تحليلاتٍ ساذجةٍ متهافتةٍ عن معاداة بايدن لتركيا، وأنه سيقوم بتحطيم اقتصادها، وتغيير سياساتها. وبالطبع، فإن هذه التحليلات تأتي في إطار إنكار الواقع، وهي آلية دفاعية يلجأ إليها الضعفاء عندما يواجهون قوةً قاهرةً لا يمكنهم مجابهتها. فالولايات المتحدة، مهما كانت مواقفنا من سياساتها، لها سياسات كونية ترتبط بمصالحها الاقتصادية والسياسية، ولا شأن لها بالعواطف المُهَلْهَلَةِ التي تصلح في دول لا معنى فيها للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. كما أن تركيا دولة ديمقراطية، وشعبها هو الذي اختار قيادته، فاستطاعت أن تكون لاعباً إقليمياً ودولياً مهماً، وليست دولةً وظيفية لا يأبه أحدٌ لمواقفها السياسية، ولا دور لها حتى في وسط جيرانها الجغرافيين. كاتب و إعلامي قطري [email protected]