10 سبتمبر 2025
تسجيلوأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي حتّـىٰ يُـواري جـارتي مـأْواهـــا عندما تقرأ هٰذا البيت من الشّعر الجاهلي، وترىٰ حاضراً ينهش فيه الذّباب -كما الذّئاب- في الأعراض دون إعراض، علىٰ مواقع التّواصل كما في واقع التّردّي المتواصل، فاعلم علم اليقين بأنّ حقبة الزّمان الحضاري الذي تعيشه هو "ما قبل الجاهلية"، يصعُب عليك أنْ تجول ببصرك فيما "يلفّ ويدور" حولك ثمّ تدّعي أنَّك تعيش في عصر الحداثة والتّقدم، لأنّه بالمقارنة مع القرون الأولىٰ تُصبح الجاهلية عصر الأنوار، ويصبح كبار كُفّار قريش مِنْ خيار "المُهاجرين والأنصار"!، ويصبح المنبوذ من الصّعاليك هو السّفير والوزير والمستشار، حتىٰ الملوك كانوا في العجم أكاسرة وقياصرة، وفي العرب غساسنة ومناذرة، ولم يكونوا يوماً "مناشرة"، ولا ذوي البراميل المُتفجّرة، النّجاشي حصل علىٰ اعتراف سماوي بأنّه مَلِكٌ لا يُظْلَم عنده أحد، وأبو منشار الفاشي يحْسَبُ أنْ لنْ يقدِر عليه أحد، بئس الظّالمون بدلاً، لمّا وقف أبو سفيان بين يدي هرقل عظيم الرّوم وسأله عن نسب المبعوث السّماوي، أدلىٰ بشهادته من غير حاجة لِقَسَم، لأنّه كان يستحيي: "فوالله لولا الحياء مِنْ أنْ يأثروا عليّ كذباً لكذبتُ عنه"، هٰكذا قال، ولم يقُل عن ﷴ ﷺ أنّه إخونجيٌّ!، بل قال: هو فينا ذو نسب. "سّيد القوم خادمهم"، قولٌ مشهورٌ لصاحبه الأحنف ابن قيس، سيّد سادات تميم، إمام الحِلْم و أشهر دُهاة وحكماء العرب، وما قال سيّد القوم خائنهم، ولا خائبهم ولا ناشرهم، سُئِل ذات يومٍ بماذا سُدْتَ قومك فقال: (بثلاث خِلاَلٍ: بذْل النّدىٰ، وكفّ الأذىٰ، ونُصْرة المولىٰ)، هٰذا الَّذِي مع حِلْمِه قال فيه معاوية ابن أبي سفيان: (هٰذا الَّذِي إذا غضب، غضب له مئةُ ألفٍ لا يدرون فِيمَ غضب)، ثمّ جاء منْ يروم سيادة قومه بسجن الشّيوخ والدّعاة، وشراء اليخوت واللّوحات، وتحويل القنصليات إلىٰ مسالخ بشرية، مُهمّتها إصدار تأشيرات للدّار الآخرة، هٰذا الَّذِي إذا غضب فتح خزائن مُلكه للفيل الجمهوري. إنني أحنّ لأخلاق الجاهلية، وفرسان الجاهلية، وحروب الجاهلية، إنّ هٰذا لَشَيْءٌ عجاب، حتّىٰ حروبهم كانت تقوم علىٰ مبادئ، نُصرةً لمبادئ، قُبيل البعثة ببضع سنين، تأسّس تحالف عربيٌّ سُمّي بحلف الفضول، تعاقد فيه المتعاقدون وتعاهدوا بالله ليكوننّ يداً واحدة مع المظلوم علىٰ الظّالم، حتّىٰ يؤدّي إليه حقّه، ما بلّ بحرٌ صوفة، وما رسىٰ ثبير وحراء مكانهما، وعلىٰ التّأسي في المعاش، وفي عصر الدّيموقراطية والحريّة و"حقول" الإنسان، عصر العلم والتكنولوجيا وغزو الفضاء، قام تحالف عربيٌّ أقسم فيه المتعاقدون أن يكونوا يداً واحدةً مع الطّغاة، ضدّ الشّعوب الكَفَرة، الّتي كفرت بأنْعُم أسيادها البررة، وأنْ يقمعوا ثورات الفَجَرة،، وتعاهدوا علىٰ أنْ يكسروا الأقلام، ويسفّهوا الأحلام، إِنْ هٰذا لشيءٌ يُراد، لأجل إتمام صفقة القرن، وما أدراك ما صفقة القرن!! كي تنال مجد تدوين آثارك بماء الذّهب في القباطي المدرجة، وتحظىٰ بفخر تعليقها بين أستار الكعبة عند بيت ﷲ الحرام، فلا بدّ أنْ يكون لديك حظٌّ منْ شاعرية امرؤ القيس، أو قبسٌ مِنْ حكمة ابن أبي سلمىٰ، أو نصيبّ مِنْ فروسية عنترة، الآن.. أصبحت الأمور مُيسّرة، تغيّرت الشّروط والأحكام، فيكفي أنْ تحمل قلباً حقوداً، وحسداً يكون لغضبك وقوداً، وأنْ تأخذ بيمناك منشاراً، وتتّخذ من الذُّبابة مستشاراً، ثمّ تُجري الرّيال تحت البيت الأبيض أنهاراً، حتّٰىٰ يمدّ إمام المسجد الحرام، حبل الكذب بين الرّكن والمقام، ويقول عن الغرّ المسخرة: المحدّث المُلهم، فلتنقّع يا ابن شدّاد قولك: (لا يحْمِلُ الحِقْدَ مَنْ تَعْلُو بِهِ الرُّتَبُ ولا ينالُ العُلىٰ من طبعهُ الغَضَبُ)، وتجرّع "ميّته" بطعم العلقم، هٰذا زمان الرّداءة والبذاءة، ولتذهب الأخلاق إلىٰ حيث ألقت رحلها أمّ قشعم!