19 سبتمبر 2025
تسجيلتزخر كُتُب التّراث العربي بقصص عنْ نباهة غلمَان وصبيَانٍ أَفْحمُوا خُلفاء وأمراء علىٰ جلال قدْرهِم، وأحْرَجُوا عُلماء علىٰ سَعة علمهم، ببلاغتهم وفصاحتهم وسرعة بديهتهم، وكانت العرب تُرسل أولادها للبادية حتّىٰ يتعلّموا النّباهة والرّجولة والفروسية والتّكلّم بلسانٍ عربيٍّ فصيح، واليوم… فإنّ قلبي عَليْكَ مُكْتَئبٌ قَريحُ، لقد أصبحوا -وأصبح المُلك لله- يستقْدمون لأولادهم خادماتٍ أعجميات اللّسان والفكر والعادات، يتعلّمون منْهُنّ ما يُخِفّ العقل ويُثقل اللّسان، وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ، فأصبحوا لا يُحْرِجون إلّا أُمّتهم أمام باقي الأمم من الجنِّ والإنس، وكانت العرب قديماً إذا استثقلتْ حرفاً أو حُكْماً أسْقطته، وليس أثقل اليوم مِنْ قول الحقّ وظِلِّ الحكّام وحذاء العسكر، بينما قَضَت النّباهة بين هجْرة وتهْجير، وزحفت رمال التّخلّف علىٰ الأُمّة، وأكل جرادُ الطّغاة المحصول، وإنْ حدث وسطع نجمٌ عربيٌّ في سماء الرّوم، فإنّ لنا فرعونا يطلُب نسبةً عنْ كلّ رأسٍ أيْنَعتْ وحان قطافها، وقد يُنشئ لها صندوقاً، فلكلّ مُشكلةٍ صندوق، والرّجُل حوّل أمّ الدّنيا إلىٰ صندوق الدّنيا. أفْطَنُ الغِلْمان اليوم أولاد الرّوم، وقد رأينا كيف أفْحَم غلامٌ يُدعىٰ "ويلي كونولي" مشعوذاً سياسياً وهو يخطُب في قومه، وأبطل سحْره ببيضةٍ خرجت منْ دُبُرٍ مَهين، فغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ، إنّ ما استغلق علىٰ السناتور المُشعوذ فهْمَه لعُنْصريتِه وعماء بصيرتِه، استشْعرَهُ الغلام بفطْرتِه وفطْنتِه، كما استغلقت رموزه علىٰ حكّام لنا أولي فأسٍ ومنشارٍ حديد، لمْ يسْتَسغ عقلُ الغلام ربط العنف بهجرة المسلمين، فيما وزير الخارجية الإماراتي يخلط التّحذير بالتّحريض ضدّ المساجد في أوروبا، وكذٰلك فعل السّيسي، الصّادق "قوي" الأمين "قوي"… إنْ شاء ﷲ، لله درّهم، وضعوا كلّ بيضهم في سلّة ترمب! وصاروا خِصِيّاً. إحدىٰ كرامات شهداء مذبحة المسجدين، أنّ ذويهم لمْ يُفجعوا مرّتين، بحضور الزّعماء العرب لجنازاتهم، فكان غيابهم إكرامٌ للميّت وكرامةٌ للحيّ، وهُم الّذين تسابقوا إلىٰ باريس يوم نَفَخ فرنسوا هولاند في الصُّور إثر حادثة شارلي إيبدو، يرْجون أجر تلبية النّداء وفضْل الصفِّ الأوّل، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ، ومرّت مراسيم الجنازات منْ غير أنْ يُعكّر صفوها أو يمسّ هيبتها حضور أصحاب المهابة الجلّادين، الَّذين يحصدُ الواحدُ مِنْهُم مِنْ أرواح شعبه عدد شُهداء مسجديْ كريست تشرش ضعفيْن كلّ يوم. طلب "ويلي كونولي" المجد بالبيض اقتداءً بقول الشَّاعر الأندلسي صفي الدِّين الحلي: من فاتهُ العزُّ بالأقلامِ أدركَهُ بالبِيضِ يَقْدَحُ مِنْ أعْطَافِها الشّرَرَا ولا حرج إِنْ فتح باء البيض بدل كسْرها، فعُجمتُه تشفع له بمقدار ما تلومنا عروبتنا، ولم يحْصَدِ المجد في حادثة مذبحة المسجدين بعد فتىٰ البيض أَحَدٌ سوىٰ جاسيندا رئيسة نيوزيلندا، فقد أشرقتْ شمسُ المجد بنُور السّعد لرئيسة الوزراء، وانتزعت الحبّ والإعجاب والتّقدير من الأعداء قبل الأصدقاء، وقليلٌ ما هُم، لقد ضربت جاسيندا من الطّيور بحجر واحدٍ صنوفاً كثيرة، فقد ضربت صقور اليمين المُتطرّف، وأحرجت دجاجات العرب ونَعَاماتها، بتَوَادِّهِا وَتَرَاحُمِهِا وَتَعَاطُفِهِا مع المسلمين، الّذين همْ لاجئون إلىٰ ﷲ والغرب، من ديار الإسلام إلىٰ دار الحرب، حتَّىٰ ودّت شعوب العُرب المقهورة مقايضة جاسيندا بجميع الحُكّام الجعاسيس، فنَجْمُهم في أفول، ومردّهم إلىٰ سُفُول، حتّىٰ المجرم الّذي طلب الشّهرة بجريمته، قرّرت الوقوف ضدَّ رغبته، وحرمانه من بُغيته، ونطقت بالقول الفصل لا هزل فيه: "القاتل سعىٰ منْ عمله الإرهابيّ إلىٰ الحصُول علىٰ أشياء كثيرة، أحدُها الشّهرة، ولهـٰذا السّبب لن تسمعوني أذكر اسمه أبداً"، وكان نِسْياً منسياً. لا ينال المجد من يقتل أبرياء يخرّون للأذقان سُجّداً، ولا ينال العُلا من طبعه الخيانة، ولنا أنظمة واقفة بباب المجد تريد دخوله بحماقاتها التي أفضت إلىٰ عمالتها، مَثَلُها كمَثل الأعرابي في رواية ابن الجوزي، إِذْ بينما الحُجّاج يطُوفون بالكعْبة ويغرِفون المَاء مِنْ بئر زمزم، قام الأعرابي فَحَسَر عنْ ثوبه، ثمّ بال في البئر والنّاس ينظرون، فما كان منْ الحُجّاج إلاّ أنْ انهالوا عليه بالضّرب حتّىٰ كاد يمُوت، وخلّصه الحرَس منْهم، وجاؤوا به إلىٰ والي مكّة، فقال له: قبّحك الله، لِمَ فعلتَ هـٰذا؟ قال: حتَّىٰ يعرفني النّاس، يقولون: هـٰذا فلان الّذي بال في بئر زمْزم!.