10 سبتمبر 2025
تسجيلصدّر الرائد «فيري إدمون» غلاف كتابه: «فرنسا أفريقيا»، والمنشُور عام 1905 بتصريح صريحٍ لوزير خارجية فرنسا آنذاك، قال فيه دونما مواربة: «إن بقاء فرنسا قوة عالمية،مرهونٌ قبل كلِّ شيء بوجود إمبراطوريتها الأفريقية». هـٰذا قولٌ لا يحتاج إثباته إلىٰ حجة أو برهان، فهو ما تشهد به عقود الإستقلال، وما تلاها منْ عهود الإستغلال، وهو تصريح وجب علينا وعيه وحفظه، وذكره كأوراد الصباح والمساء، واستحضاره كلما نهق ناهقٌ يربط تدهور التحصيل الدراسي في المغرب العربي وأخريات غيرها باللغة العربية، واستظهاره كلما ادعىٰ مّدَّعٍ عُتُلٍّ بعد ذٰلك زنيم بأنّ الحلّ يكمن في التبرؤ من لغة الضاد والتبرك بفرنسية التعليم، إِنْ هـٰذا لقولٌ عقيم، وهو يفتقر للدقة، والمنهجية العلمية الحقة، لخصها مختص بهذا الشأن وهو الدكتور أحمد العلوي علىٰ صفحته في فيسبوك إذ قال: «تدريس العلوم بالفرنسية في الثانوي -والعالي أيضا- يحتاج إلىٰ مائة مصطلح، إن كانت وزارة التعليم والأساتذة عاجزين عن معرفة أو صنع هـٰذه المصطلحات المائة ودون المائة بالعربية، فليسوا أساتذة وليست وزارة تعليم، السبب إذن ليس علمياً ولا مصطلحياً، هو سبب آخر معروف: جهل أو سياسة»! وقد يكون السبب خليط مدمرٌ من الإثنين: سياسة ترسم خطوطها الخارجية الفرنسية لمصلحة شركاتها الوطنية الّتي تعاني شراسة المنافسة من نظيراتها سواء الأوروبية، أو الصينية والأمريكية وغيرها، وتوطن لها كي تسود أبداً، فالهيمنة علىٰ مصادر الثروة خيار استراتيجي دونه تجهيز العدّة والعتاد، أما خرط القتاد فهو ما نجنيه نحن من ذاك الخيار الإستراتيجي المشوّك. وجهل في من يقوم بتنفيذ تلك السياسات من نخب ثقافية -أعزكم ﷲ- وأصحاب مصالح وإمتيازات اقتصادية، واللاعقين يد َ الدّخيل ِ تضرّعا ً لنعيم كرسي ٍ بدار ِ خرابٍ، ويروّج لها جهلة غوغائيون ومرتزقة مؤدلجون بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ. لقد نجح أولـٰئك الجاهلون -والجاهلون لأهل العلم أعداء- لحدّ الساعة في فرض تعليم اللغة الفرنسية كلغة أجنبية أولىٰ من العام الأوّل الإبتدائي بالمملكة المغربية، في أفق جعل اللغة العربية أول لغة تصبح أجنبية في عقر دارها، وقد أثار قرار وزير التعليم المغربي بشأن تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية بداية من الموسم القادم الكثير من الإنتقادات، وقابله الكثير من الإعتراضات، وتناوله الدكاترة والأساتذة والمختصون بالتحليل والدّرس، وفصلوا تفصيلاً، كلّ حسب قدرته، وكل حسب حاجته، وبالرّغم من تأجيل التصويت علىٰ القانون في البرلمان عقب جلسة عاصفة بلغت فيها القلوب الحناجر، إلا أنّ الوزير المشار إليه فيما يبدو قد عقلها وتوكل، وأفاض وتحلل، وليس الأمر بيديه، إنْ هو إلاّ وحيٌ يوحىٰ إليه، ولو أنه رفع نظره للآفاق، لرأىٰ كيف أنّ فرنسة التعليم لن تُحرّر أشرعة سفينة التعليم وتدفعها للإنطلاق، وإنما ستقودها حتماً إلىٰ الأعماق، وإلا فلينظر إلىٰ دول لم تعتمد الفرنسية لغة تدريس وحسب، بل اتخذ سادتها وكبراؤها الفرنسية لغةً ولساناً، وخروا علىٰ الفرانكوفونية صماً وبكماً وعمياناً، فكان مصيرها التخلف والنكوص علىٰ أعقابها.