18 سبتمبر 2025
تسجيليفهم من توجيهات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بأن السلطة في قطر تسعى لمعالجة بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد المحلي، بل وتحويلها إلى فرص. وتبين من خلال خطاب رئيسي ألقاه منذ توليه السلطة في شهر يونيو اعتبار مواجهة التضخم وضمان التحقق لأفضل الممارسات التجارية في صلب السياسات الاقتصادية للحكومة الجديدة. تعتبر مسألتا التضخم والمنافسة من الأمور الحيوية بالنسبة للعمالة المغتربة والقطاع التجاري في قطر، على التوالي. يعتقد الاقتصاديون أن التضخم أكثر سوءا من البطالة وربما أسوأ معضلة اقتصادية على الإطلاق. ومرد ذلك تأثر الجميع بالتضخم بطريقة أو أخرى لكن مع درجات متفاوتة. في المقابل، لا يتأثر الجميع بالضرورة من البطالة والتي تعتبر مسألة حساسة للعاطل عن العمل وبعض الجهات ذات العلاقة، مثل الأسرة والبنك في حال وجود قروض مصرفية. تنال ظاهرة التضخم من الرفاهية والمستويات الفعلية للنمو الاقتصادي. المأمول من اقتصاد في طور النمو كما هو الحال مع الاقتصاد القطري تحقيق مستويات نمو مرتفعة نسبيا، لكن بشرط غياب شبح التضخم لما لذلك من تأثيرات إيجابية على رفاهية المواطن والمقيم. وفي موازاة ذلك، تعيش بعض الاقتصاديات العالمية حاليا ظاهرة تحقيق نمو اقتصادي جدير، لكن دونما القدرة على إيجاد عدد كاف من فرص العمل، بيد أنه يتميز الاقتصاد القطري بقدرته على تسجيل نمو إضافة إلى خلق آلاف من فرص العمل. فقد أشارت تقارير صحفية في الآونة الأخيرة إلى إمكانية توفير 240 ألف فرصة عمل في العامين 2013 و2014 بصورة مجتمعة في الاقتصاد القطري. تذهب غالبية فرص العمل هذه للعمالة المغتربة، الأمر الذي يعكس إصرار قطر على تعميم الخير. يشكل الأجانب السواد الأعظم من مجموع السكان، فضلا عن القوى العاملة، وعلى هذا الأساس، تشير بعض التوقعات إلى فرضية ارتفاع مجموع السكان من 1.8 مليون نسمة في العام 2012 إلى 2.2 مليون مع نهاية 2014. عودة للموضوع، صحيح لا يوجد تهديد فعلي للتضخم في الوقت الحاضر في جميع دول مجلس التعاون الخليجي بما في ذلك قطر بشكل عام، حيث الحديث عن معدل قدره 3 في المتوسط، ويعود الأمر إلى عدم وجود تهديد فيما يخص أسعار المنتجات الغذائية المستوردة. المشهور عدم تمتع دول مجلس التعاون الخليجي بمزايا تنافسية في مجال إنتاج المنتجات الغذائية لأسباب لها علاقة بملوحة الأراضي والاستخدام للمياه في ظل إمكانية الاستيراد من أطراف أخرى والتي بدورها تتمتع بمزايا تنافسية. بيد أنه من الأهمية بمكان النظر للتضخم من الناحية التاريخية، حيث عانى الاقتصاد القطري أكثر من غيره ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي من هذه الآفة قبل عدة سنوات. بالعودة للوراء، خاض الاقتصاد القطري تجربة تسجيل مستوى تضخم بواقع رقمين وليس رقما واضحا خلال 2007 وجزء من العام 2008. وبشكل أكثر تحديدا، بلع معدل التضخم نحو 14 في المائة في العام 2007. وقد حدث ذلك على خلفية ارتفاع أسعار النفط لمستويات تاريخية، الأمر الذي أدى لنشوب ظاهرة التضخم المستورد. فقد ارتفع سعر النفط لحد 147 دولارا للبرميل في يوليو 2008، لكن انخفضت الأسعار بعد ذلك على خلفية ظهور أزمة الرهن العقاري، لكن ما لبثت أن استقرت في حدود 100 دولار للبرميل. وتبين من خلال التجربة لجوء بعض الدول المستوردة لخيار رفع أسعار بعض منتجاتها وبالتالي تعزيز عوائدها كتعويض من مسألة ارتفاع أسعار منتجات الطاقة، وعليه مفهوم التضخم المستورد. على وجه الخصوص، يخشى أن يتسبب التضخم بالنيل من مستوى رفاهية العمالة المغتربة. في المقابل، بمقدور المواطن القطري التكيف مع ظاهرة التضخم بطريقة أو أخرى نظرا لتمتع البلاد بأعلى مستوى للدخل في العالم. يعتقد على نطاق واسع بأن متوسط الدخل في قطر ربما يزيد على 100 ألف دولار في السنة. الأمر اللافت الآخر هو إصرار صاحب السمو على معالجة تحديات مهمة دائما، مثل عدم السماح للاحتكار من جهة والتأكيد على مبدأ التنافسية من جهة أخرى. لا شك، يكتسب هذا الحديث أهمية خاصة بالنظر لترتيب قطر على مؤشر ممارسة الأعمال للعام 2014 والذي صدر حديثا بواسطة مجموعة البنك الدولي. باختصار، حلت قطر في المرتبة رقم 48 دوليا من بين 189 اقتصادا مشمولا في التقرير. يعتبر الترتيب أمرا مرحبا من الناحية الدولية ولكن ليس قياسا بواقع الحال مع المنظومة الخليجية. يعد هذا الترتيب خامس أفضل نتيجة بين دول مجلس التعاون الخليجي بعد الإمارات والسعودية والبحرين وعمان، أي فقط أفضل من الكويت. لا شك، يعد ترتيب قطر غير مناسب قياسا بأهميتها الاقتصادية كصاحبة أعلى مستوى دخل دوليا. يهتم التقرير بمدى قدرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على تحقيق نتائج ملموسة في الاقتصاديات المختلفة. لا غرابة، تعول مختلف الاقتصاديات العالمية هذه الأيام على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لإيجاد فرص عمل للداخلين الجدد لسوق العمل بدل الاعتماد على القطاع العام بالنظر لحالة التشبع وانتشار التقنية. بالنظر للترتيب العام لقطر، أي في المرتبة الخامسة خليجيا، يمكن القول بأن هناك حاجة لمعالجة بعض الإجراءات التجارية. وتزامن حديث صاحب السمو مع تقرير آخر ومصدره مؤسسة إيكونومست إنتيليجسن يونت، حيث أشار بشكل واضح إلى تمتع بعض المؤسسات بنفوذ غير عادي على أوجه من الحياة التجارية، الأمر الذي ينال من مبدأ التنافسية. ختاما، يتجلى من مستوى النشاط في البنية التحتية بما في ذلك إعادة هندسة الشوارع المرتبطة بكورنيش الدوحة إصرار صاحب السمو على مواجهة التحديات الاقتصادية بعزيمة راسخة. المأمول تنفيذ الرؤية الاقتصادية لأمير البلاد في إطار سعي قطر نحو تحقيق أفضل مستوى من الرفاهية لمواطنيها والمقيمين على أراضيها.