11 سبتمبر 2025

تسجيل

جبر الخواطر عبادة الأصفياء

17 سبتمبر 2023

قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى! تلك كلية من كليات القرآن تقرر أن قول المعروف عند الله خير من تلك الصدقة الممزوجة بالمن أو المقترنة بالأذى، وتشير إلى أن جبر خاطر المسلم ومراعاة مشاعره عبادة لله وقربة إليه، فهي خير من إطعام الجائع خبزا مقرونا بذل أو مالا مقترنا بمنّة! ذلك أن الغرض الرئيس من الصدقة يكمن في أمرين: - تهذيب النفوس، وترضية القلوب. - وربط الواهب والآخذ برباط الحب في الله. هذا هو المعنى السامي الذي يريده الإسلام أن يكون حاكما على علاقة المسلم بأخيه. لأجل ذلك كانت الصدقة التي يتبعها أذى لا ضرورة لها! والقول المعروف والمغفرة في هذه الحالة يؤديان الوظيفة الأولى للصدقة: من تهذيب النفوس وتأليف القلوب. لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من تغافل الخواطر المكسورة، وتجاهل الآهات المكتومة، لأن مغبة ذلك وعقباها شديد، ودوام الحال محال! إن الله لن يحاسب أحدا على ما عجز عنه؛ لكن هذا العجز لا يعفي أحدا من جبر خواطر مكلوم ولو بكلمة طيبة، أما الاستعلاء على الضعفة فهو وفق التصور الإسلامي مرفوض، ومرفوض معه كل صدقة أو مصلحة لا تقضى إلا على جسر من الذل أو الهوان. الكتاب والسنة يقضيان بمراعاة مشاعر الناس حتى في الأحكام الشرعية، من ذلك: - قول الله تعالى: { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } فجبر خاطر المطلقة بالمتعة. - وقوله تعالى: { وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا } جبر خاطرهم عند غياب نصيبهم ورؤية ما لا يستطيعون طلبه برزق مقسوم. - وفي السنة راعى النبي صلى الله عليه وسلم قلب أم سمعت بكاء صغيرها فخفف من صلاته رحمة بها:(إني أدخل الصلاة أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأخفف من شدة وجد أمه عليه). - وراعى مشاعر رجل استأثر اثنان بالحديث دونه:(إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجَ اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه). وقعّد- صلى الله عليه وسلم- قاعدة في علاقة المسلم بأخيه حتى لا يتصدع بنيان الأخوة فقالﷺ:(لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره. رواه مسلم إننا بحاجة ماسة إلى تأسيس تلك القواعد العقدية في مدارسنا ومعاملتنا، فكم من خاطر مكسور في جبره عبادة وقربة تنتظر من يعيها بفهم.