07 أكتوبر 2025
تسجيليُعدُّ التفكير بمعناه الشامل من أكثر الموضوعات التي تختلف الرؤى والأفكار حوله، لتعدد أبعاده وتشابك مضامينه التي تعكس تعقيد العقل البشري وعملياته، وتوضح لنا أنه كغيره من المفاهيم المجردة التي يصعب قياسها مباشرة أو تحديد ماهيتها بسهولة. لذا، فقد أطلق عليه العلماء تسميات وتعريفات عدة، ليفرّقوا بين أنواعه، وليؤكدوا بذات الوقت على تعقيده، وصعوبة الإلمام بجميع جوانبه، فنراهم يتحدثون عن أشكال مختلفة من عمليات التفكير التي تحدث من خلاله، كالتفكير الناقد والإبداعي، والتفكير التأملي، والتفكير العلمي، والتفكير الإيجابي أو السلبي، والتفكير المستقيم والأعوج، والتفكير المنطقي والخارج عن المألوف، والكثير من الأنواع الأخرى للتفكير. لكننا هنا، نحاول من خلال جرعات تحفيزية خفيفة، أن نحرّك مياه العقل البشري الراكدة في بعض العقول، وندفعها نحو التفكير الإيجابي أو المحفّز، الذي نطلق العنان من خلاله للعقل البشري للتحرك وخوض عملياته الذهنية التي يتفاعل فيها إدراكه الحسي مع الخبرة والثقة والذكاء، في سبيل تحقيق أفكاره وأحلامه وطموحه وأمنياته وتحويلها إلى واقع، إذ إن التفكير يمثّل أعلى مستويات النشاط العقلي الذي يجعل الفرد واعيًا بذاته ومراقبًا لكيفية استخدام عقله، كما يسهم التفكير في تحقيق القدرة للفرد على الاستيعاب والتعلم والنهوض والتخلص من الأزمات والتخبطات العاثرة في الحياة. ويُعدُّ التفكير من المهارات النمائية للإنسان، والتي تتطوَّر عبر مراحلنا العمرية، وهو شيء يفعله الجميع، ومهارة يمكننا جميعًا تطويرها، حيث إن مخ الإنسان يحتوي على مائة مليار خلية مبهرة تسمَّى العصبونات، ويقيم مليون رابط بين هذه الخلايا في كل ثانية؛ لذا فإنه من الممكن أن يكون لديك العديد من الفرص لتنمية طريقة تفكيرك وتطويرها وتغييرها نحو الأفضل، بشرط أن تنشّط تفكيرك وتستغل هذه النعمة والميزة الكونية التي خصك الله بها. وقد اهتمت المدارس التربوية والدينية والفلسفية والفكرية والنفسية بتنمية الفكر والتفكير لدى الفرد كي يصبح أكثر قدرة على مواجهة الصعوبات والتحديات التي تواجه سبيله، سواء في المجالات التعليمية والأكاديمية أو مناحي الحياة المختلفة، لأن الحياة عبارة عن مجموعة من القرارات، وهذه القرارات تحتاج إلى تفكير لاتخاذها والمضي فيها. قرأت ذات مرة عبارة لأحد رواد الفكر والتنمية البشرية، مفادها أن من يصنع المشكلات هم الذين لا يجيدون التفكير الإيجابي الصحيح، ومن خلال واقع الحياة أجدني أتفق تمامًا مع هذه الوصفة التشخيصية، لأن الجمود في التفكير يوقف الابتكار ويعطل الإبداع وينمّي الجهل، "ولا يمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا عندما يتعلم كيف يفكر". يجب أن يؤمن الفرد بمهاراته وقدراته الإبداعية التي ستساعده على تنمية الثقة بالنفس لينظر إلى الصعوبات والمشكلات برؤى جديدة وبنظرة فاحصة إبداعية تترجم وعيه وقدرته على أن يراقب ويكيّف وينظم نشاطاته المعرفية والفكرية، ويستبعد السلبية منها؛ لتحديد أهدافه وترتيبها وصياغتها وطرق تحقيقها، فقدرة الفرد على التفكير الصحيح تتجلّى في مجريات التفكير التحفيزية. ومن الملاحظ أن التفكير الإيجابي يحتاج إلى دافع يدفعه لإزالة العقبات التي تصده وتجنب الوقوع في أخطاء محبطة تدفع للتشاؤم، لذا لا بد من إحاطة نفسك بالأشخاص الإيجابيين الذين يحبونك ويدعمونك لتصبح مبدعًا، وأن تحرص على أن تقرأ كثيرًا عن الأشخاص المبدعين والحلول الإبداعية والأساليب المستخدمة في التفكير الإبداعي الصحيح، ويجب عليك أن تعطي نفسك الفرصة لأن تطلق تفكيرك وتعمل الأشياء بطريقة إبداعية. ولتنمية وتطوير التفكير بشكل صحيح يجب الاتفاق على أن عبارة "لا أستطيع" غير مقبولة في الحياة؛ لأنك إذا كنت تعتقد شعوريًّا أنك لا تستطيع أن تصبح على نحو معين، فإن عقلك الباطن سوف يهيّئ لك الظروف ويبحث عن الناس الحاملين لفكرتك ليثبت لك أنك على صواب فيما تعتقد، فعقلك الباطن لا يغيّر واقع الحياة من حولك؛ كل ما هنالك أنه يرشح المعلومات التي تقدّمها له كي يدعم معتقداتك أو الصورة التي تحملها في ذهنك. فمثلًا إذا اعتقدت أن مجالًا ما سيئ أو أنه ليست هناك فرص أمامك لتبدع، فسوف يتجاهل عقلك الباطن الفرص الجديدة الخاصة بتحسين قدراتك ولياقتك في هذا المجال، وسوف يبرز لك المشكلات التي تدعم اعتقادك وتؤيد رؤيتك الذهنية بأن هذا المجال غير مُجدٍ، وليست هناك فرص جديدة لاحترافه والخوض فيه. "عندما تفكر يتحرك العالم" ما يعني أنه عندما تُخرج فكرة إلى هذا العالم يأتي الناس والأماكن والأشياء إلى حياتك لإثبات أو تحقيق أو نفي هذه الفكرة، فالتفكير يجعل الأشياء تحدث بالفعل؛ فما عليك إلا أن تسلك طريق التفاؤل والذكاء والإبداع بقدراتك التفكيرية. وأخيرًا، "لنفكر" فيما قاله الدكتور محمد عبد الغني هلال: "لا تشعر أنك شخص غير مبدع، فالإبداع ليس وراثيًّا، كل ما عليك أن تتذكره وتفعله أن تبحث وتستكشف وتتبادل الأفكار، وعليك أن تتذكر دائمًا أنه ليس هناك في العالم أقوى من فكرة وُلدت في وقتها ونمت حتى جاء وقت تنفيذها". كاتبة قطرية - مدربة تنمية بشرية وتطوير ذات مستشارة علاقات عامة واتصال [email protected] @almutawa_somaya