13 سبتمبر 2025
تسجيلاستخدام تعبير بنك الأهداف شائع عسكريا بمعنى أهداف للقصف والتدمير، ونستعيره هنا لتعدد المهام وعمليات القصف الجارية في مصر. وعند دراسة أي احتمالات تغيير في خريطة القوى داخل بلدان العالم، يدخل في الاعتبار القوى المؤثرة في العالم سواء كانت قوي سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو منابع المال السياسي صغُر أم كبُر. تدور في مصر معارك ثلاث أن جاز الحصر ولكل منها تفرعاتها، وبدون تعريف هذه المعارك وأهدافها بوضوح يختلط الأمر سواء علي المراقب أو متخذ القرار، واتخاذ القرار في مصر غائم لا يحاول احد تحديد مصدره على وجه اليقين، بل إنه متروك عرضة للحدس أكثر منه اليقين، سواء كان ذلك لدرأ شبهات أو لمحاولة خلق فرصة بناء، ولكن هذا الأمر يُعَرِّض بالوطن أن تنشأ فيه أوزانا نسبية بغير أن يكون لها وجود في الواقع، ويدفع بعناصر ظهرت بالصدفة كما يرصدها المراقب، ولكن حقيقة ظهورها بالقطع ليس مصادفة ولكنه مصنوع، والجهل بمن صنعها ولماذا آتي بها وطبيعة تكوينها ومدي فتح الباب أمامها للتأثير وكسب أرض أمام أعين الناس، كما هي صناعة النجوم للاستخدام، فالنجوم الصناعية لا تستمد طاقة بريقها ووجودها من ذاتها، ولكنها موجودة لأن مسار العلاقات ورؤية الإدارة تحتاجها عند اللحظة، فإن مرت اللحظات، وهي بقانون الزمن والأحداث تمر، يلتقطها الثقب الأسود لتعود من حيث آتت. تواجه مصر في اللحظة معركة توصيف حقيقي للأحداث من 25 يناير حتى اللحظة، وماهية أهدافه ومهامه، وما يترتب عليها من مسؤوليات وهي معركة الأساس إن جاز التعبير، هي معركة المستقبل، لا يجوز فيها أن نلوك الألفاظ، أو ندعي الولاية علي إرادة شعب تجاوزت بالدم حد الوصاية وعدم الأهلية، وان كانت لم تجد من يبلغ الرشد لتوليه آمر مسؤولياتها، لأن الأفعال التي تتوقف دون أن تستكمل مسارها تتضاعف قيمة الثمن المدفوع فيها. وتواجه مصر غير هذا معركة العنف تحت ستار مريب يأخذ من الدين الاسم، ومن القتل والتدمير أسلوب وأداة فعل، بل اخذ بعقول اكتسبت صفة التعلم والثقافة، لتتحول في قدراتها العقلية كما العقول البدائية، تحجرت عند ما تعتقد بأن هناك انفصالا بين الدين والحياة وأنها ستعيد الاتصال بينهما، فزادت النار اشتعالا، وتنازلت طواعية عن ادوار كانت مرشحة لها، لإنارة العقل الجمعي، فصارت محرضة علي العنف أكثر منها مقاومة له وكاشفة لانعدام العلاقة بينه وبين الدين. وتواجه مصر معركة بناء المستقبل والانحياز الاجتماعي أو ما استقر عليه تجاوزا بالعدالة الاجتماعية، فالفارق جوهري بين الانحياز والعدالة، فالانحياز بالأساس هو إدراك للمكونات الاجتماعية للشعب، وحاجاتها للحياة وفق معايير عصرها، والارتقاء بإمكاناتها لتوفير هذه الحاجات، أي أن الانحياز هنا هو مرجعية الأداء. أما مقولة العدل الاجتماعي، فهي تبدو أقرب إلى التفضل والتصدق بإحسان ممن استولي علي السلطة وكرس إمكانات الدولة لنمو ذاتي يقتصر علي إقطاع جديد في القرن الواحد والعشرين، هو إقطاع المال، وهو فارق بين إقطاع الأرض والرأسمالية المستغلة. إقطاع المال يحول كل شيء إلى أموال تتحول بدورها لأرصدة في بنوك لا يملكها مجتمع أو وطن، لا أصل لها في الواقع، فالأرض للبيع، وآلات الإنتاج للبيع، وطاقة العمل للبيع، والقيم والمبادئ والتاريخ والجغرافيا والسياسة والدين، جميعها للبيع لمن يدفع، بينما كان إقطاع الأرض يرتكز كما الرأسمالية المستغلة علي ملكية مادية محققة حتى وان تلاقت مصالحهم علي غير حاجات الشعب، وان انتقلت إلى علاقات متجاوزة الحدود تهدر قيما وتاريخ وجغرافيا، ولكن ذلك لتامين بقاء ما تملكه ماديا ومحقق في واقع ملموس بين أيديها هي. عالج التوريث في الدين قضية الملكية، وعالجت الزكاة قضية الأموال، ولكن ذلك لم يعالج قضية التنمية. الإمساك بأطراف المعادلة الثلاثة يؤكد العلاقة التبادلية بينهم، ويعيد توصيف قوى المجتمع على نحو لا يصلح معه التجارة بالمعاني والمواقف والتاريخ وحاجات الشعب، يتساوي في هذا من يسرق السلطة أو الثورة مع من يبيع حاجات الشعب لموقع سياسي، وتنزع أوراق التوت عن عورات الساسة وأدعياء الثقافة والمعرفة ومتكسبين من الثورة لتنكشف أحاديث الإفك، ويعود كل إلى حجمه الطبيعي من حيث الانتماء والانحياز، وعيا وقولا وفعلا، ويوصد الطريق أمام مواكب الخداع. معركة التعريفات معركة مدعاة كل غاياتها الانحراف بالإرادة الوطنية وحبسها في دائرة الطباشير، لتنشغل عن أهدافها ومهامها بالمسميات وتبرير ما تفعل. وليس البحث الآن في كتب الاجتماع السياسي او التاريخ عن حالة مماثلة لتنطبق علي الحالة المصرية، وسط محيط عربي يموج بذات الحالة مع اختلاف نوعي يرتبط بالأرض والبشر والعلاقات المحيطة والوزن في الإقليم وخارجه. لماذا لا تكون الحالة المصرية معيار قياس للمستقبل؟، ولماذا هي مطالبة أن تتوافق مع ما وصل إليه التوصيف الإنساني؟ شعب خرج علي نظام حكم وأزاح رأس النظام، وتكالبت عليه قوى كثيرة، للحد مما يمكن تحقيقه ولوراثة نظام سابق وللحيلولة دون تكرار الخروج الشعبي مرة أخرى، وكانت موجته الثانية ــ أيا من كان القائم علي خلقها وإدارتها ــ لاسترداد إرادته وهويته ودينه ودولته، ثم كانت موجته الثالثة لمواجهة حالة الوصاية الخارجية وأدواتها الداخلية، لتعود بالناس إلى إحساس تأميم قناة السويس، وتنامي إدراك معنى الاستقلال الوطني. هي معركة استنزاف لليقين الوطني، وادعاء التناقض بين الشعب وجيشه، وكأن تاريخهم يشهد بنضال جيوشهم من أجل حرية الإنسان، ولهم وحدهم حق "الإرهاب تحت عناوين إنسانية، وتشكيل مجموعات القتل"، حتى أنهم أضفوا الشرعية علي المرتزقة منهم بتشكيل شركات مماثلة للبلاك ووتر، أو دول على صفحات الماء مثل فرسان مالطه. ليست المعركة مع الخارج، فالخارج إن أراد التدخل بالقوة لا يعدم أن يسوق مبرراته، ولعل لعبة الدب الروسي والعم سام في الشأن السوري، خير دليل على ذلك، بل بلغ الأمر ببعض أجهزة الإعلام أن تصنع مواجهة مسلحة بين الاثنين في شأن صاروخين أطلقا في اتجاه شرق المتوسط، اسقط احدهما وتمت السيطرة علي الآخر وتوجيهه بعيدا عن هدفه ليسقط في مياه المتوسط. المعركة أن نشأت لن تكون معركة تعريفات ولن تكون مجرد مواجهة بين صواريخ وصواريخ مضادة، فلم تعد الحرب الذرية متاحة ولا حرب الإبادة القذرة التي مارستها القوات الأمريكية في الفالوجة بالعراق، ولكن المواجهة أصبحت على منسوب الحرب الإلكترونية، حرب السيطرة والتوجيه، وهي جزء من حرب النجوم التي نادي بها ريجان، ها هي تطل برأسها في خطوات أولية، كما هي مناورات المفاوضين علي الموائد السياسية. 25 يناير هي معركة استخلاص الإرادة وكسر حاجز العجز والخوف، و30 يونيو هي معركة استرداد الهوية والدولة وتخليص الدين من خاطفيه، و26 يوليو هي معركة الاستقلال الوطني. إن المعركة علي الإرهاب هي معركة وعي وثقافة ودين، هي معركة تعليم ومحو أمية. المعركة علي الإرهاب هي مواجهة مع الدروس الخصوصية التي أصبحت بديلا للمدارس ودورها التعليمي. والمعركة علي الإرهاب هي مواجهة مع دعوات بحقوق فئوية أو محلية، جري تعظيم قيمتها بالمدفوع لها من دولارات الغرب ثمنا لجهد يرسم أمام الخارج خريطة الوطن وعلاقاته ويجعله كتابا مفتوحا قابلا ليس لمجرد القراءة ولكن لتغيير الأحرف والمعاني في هويته. والمعركة مع الإرهاب هي معركة مع ما اعتبره البعض مسلمات يجب الخضوع لها لتحكم الحياة، وهي من جديد تحاول بطرق ملتوية مصادرة الإرادة الوطنية والحيلولة بينها وبين ضرورات التغيير. وهي معركة مع كافة محاولات السيطرة الخارجية، فالجماعات المسلحة هي فيلق متقدم للناتو والمخابرات الأمريكية والصهيونية، ولن يتوقف التحالف الخارجي دون تحقيق مطلب السيطرة، لتستمر المواجهة معه وتتعدد أساليبها وصورها. ان الهدف الوطني الأول في المعركة على الإرهاب هو الحفاظ على الارتباط الوطني بين الجيش والشعب، وتمكين الجيش من قدرات تؤهله للمواجهات مهما تنوعت أو امتدت. إن المعركة الأولى لمواجهة الإرهاب هي مواجهة حرب العقيدة الوطنية وما يتهددها من حملات نفسية، الانسياق وراءها يصنع الهزيمة قبل انطلاق المدافع. هي معارك لحرب من أجل المستقبل، جوهر الثورة ومبتغاها. المستقبل ليس أحلاما تتحقق بمجرد أن تطوف بالخيال، إنها صناعة الوجود وصراع البقاء. ان أي صراع دون وعي بأطرافه هو دون كوشيتية تحارب طواحين الهواء. إن الخطوة الأساسية للمعارك تبدأ من إعداد ميدان القتال واختياره، وعدم الانجرار إلى إرادة العدو وخياراته. إن تطهير ميدان المعركة من كل الألغام التي جري زراعتها فيه، هو ضرورة لفتح الأرض أمام الحركة اللازمة للمستقبل. إن أخطر لغم جرى زراعته في مصر هو التنظيم السري الذي يمارس القتل ويدعي الحكمة والحق في الوجود، والتغافل عن نزع هذا اللغم هو تضحية بإرادة الشعب.