14 سبتمبر 2025
تسجيللا شك أن القانون الجديد رقم 6 لسنة 2021 بشأن نظام انتخاب مجلس الشورى قد جاء بحزمة قواعد وإجراءات ترسم المسار القانوني السليم لأول انتخابات تشريعية مقررة في البلاد تسعى إلى انبثاق مجلس يعكس الصورة الحقيقية لتطلعات وطموح المجتمع القطري بكافة مكوناته. وفي إطار استكمال الصورة البنيوية لمراحل البرنامج الزمني لانتخابات مجلس الشورى، وبعد أن قطعت البلاد الشوط الأول المتعلق بقيد الناخبين وإعلان جداول الناخبين والاعتراضات والتظلمات المقررة قانونا، ها نحن على مشارف العبور إلى المرحلة الثانية من هذه المشاركة الشعبية التي تشكل نقلة نوعية في قرارات تدبير الشأن العام بالبلاد، لما لمجلس الشورى من دور حساس في سن التشريعات وإقرار نصوص قانونية تنظم شتى الميادين والقطاعات. هذه المرحلة الآنية من البرنامج الزمني تتعلق أساسا بكل ما يخص المرشحين الذين سيتم التصويت على برامجهم الانتخابية من قبل الناخبين، وسيتم افتتاحها بتقييد طلبات المرشحين بين 22 و26 أغسطس 2021 ثم إعلان الكشوف الأولية للمرشحين بتاريخ 30 أغسطس 2021 وتقديم التظلمات والاعتراضات بين 31 أغسطس و 2 سبتمبر طبقا لأحكام المادة 15 من القانون رقم 6 لسنة 2021 وصولا إلى إعلان الكشوف النهائية للمرشحين بتاريخ 15 سبتمبر 2021 وفقا لأحكام المادة 16 من نفس القانون. ولعل أهم ما يميز هذه المرحلة في رأينا والمعيار الفاصل في إنجاح العملية الانتخابية برمتها هو البرنامج الانتخابي للمرشح والذي بناء عليه سيمارس المواطن القطري حقه الدستوري في اختيار من يمثله داخل قبة مجلس الشورى، ويشرع بالنيابة عنه قوانين تنظم حياته وتجعلها أكثر سلاسة في سائر المجالات. فإذا كان القانون قد وضع ضوابط وشروطا واجبة التوفر في المرشح لتمثيل الشعب القطري داخل مجلس الشورى المنتخب، فإن هذا المرشح بدوره يجب أن يضع لنفسه قيودا تجعله على قدر من الوعي بجسامة المسؤولية المزمع تقلدها، وعلى قدر من الإيمان بحب الوطن وخدمة الصالح العام بصورة تتماشى مع الثوابت الراسخة للبناء المجتمعي والرؤية الاستشرافية لدولة حداثية. ولن يتأتى ذلك إلا إذا أعد المرشحون برامج انتخابية على مستوى يستجيب لمتطلبات الناخب الذي سيضع ثقته في البرنامج المعروض، فهذه البرامج هي حجر الأساس لبناء الثقة بين المواطن القطري وبين أول تجربة انتخابية بهذا المستوى بالبلاد، فهو الميثاق أو العهد الذي سيربط بين الناخب والمترشح، وهو البينة التي سيحتكم إليها للفصل بينهما. لأجل ذلك فإننا ندعو كافة المرشحين إلى صياغة برامج تلائم متطلبات المجتمع وتتضمن بنودا وأهدافا تعكس طموحات الجميع، فلا يجوز مخاطبة الناخبين ببرامج مثقلة بوعود وتأكيدات لا يسع المرشح تحقيقها خلال مدة عضويته، وفي نفس الوقت ليس مستساغا الخروج للناخب ببرنامج انتخابي لا يشبهه ولا يرتقي إلى مستوى الأمانة والثقة التي سيضعها الناخب في المرشح يوم الإدلاء بالأصوات. فالبرنامج الانتخابي يجب أن يصاغ بأسلوب سلس ولغة مفهومة لكافة المواطنات والمواطنين، لأن البرامج لا تخاطب نخبة المجتمع وهي ليست موجهة لجهة دون الأخرى، وعليه يكون لزاما وضع أفكار وبنود البرنامج في قالب لغوي تستوعبه جميع الفئات. كما أن البرنامج الانتخابي يستحب أن يتضمن خطة عمل واضحة ونظرة شمولية يمكن تحقيقها خلال مدة الولاية الانتخابية سواء على المدى القريب أو المدى البعيد، ومن الأهمية بمكان أيضا أن تنص البرامج الانتخابية على خطة استشرافية لتسليم المهام واستكمال الإنجازات للمجالس المتلاحقة ضمانا لعمل متكامل وترابط بين الرؤى، لأن القطيعة في العمل بين مجلس ومجلس متعاقب لن يعود على المجتمع القطري إلا بالخسائر وتعطيل الإنجازات المزمع تحقيقها. والأهم من ذلك وذاك، تقع مسؤولية جسيمة على عاتق الناخب في اختيار المرشح الأفضل، حيث إنه من باب الأمانة أمام الخلق والخالق، اختيار المرشح على أساس برنامجه الانتخابي وخطة عمله المرتقبة، وليس بالاستناد على معايير أخرى متجاوزة مثل الجنس أو العرق أو الانتماء القبلي، لكون ذلك لن يسهم إلا في رجوع المجتمع القطري القهقرى. وهنا يكمن الدور التكاملي بين الناخبين والمرشحين، إذ على هؤلاء الأخيرين المساهمة في زيادة وعي الناخب عن طريق إعداد برامج كفؤة وتأييدها بتظاهرات علمية وثقافية مثل الندوات والموائد المستديرة لتنوير الرأي العام. وأخيرا، نؤكد مرة أخرى على ضرورة الانخراط والتعبئة من قبل جميع مكونات المجتمع في هذا العرس الانتخابي المنبثق من الدستور الدائم للبلاد والقواعد القانونية المقررة في سبيل تعزيز المعادلة التي تؤسس لها دولة قطر من خلال قيادتها الحكيمة ومؤسساتها العتيدة، والمتمثلة في بناء دولة مرسخة لثوابتها وأعرافها وراعية للحضارة التنموية المستدامة.