14 سبتمبر 2025

تسجيل

القلب الخشبي

17 يوليو 2018

تمتاز قصص الكاتب السوداني: عبد الغني كرم الله، ببساطة الحكي، لا غموض ولا فوازير ولا تشنج للغة يحتاج إلى ذهن يفكه، هي قصص تنبع من القارئ نفسه وتصب فيه، قصص ربما يحس بأنه شارك الكاتب في صياغتها، وفي الوقت نفسه تمنحه ما تجود به من إبهار، يظل مترسبا في ذهنه، وحين يكتب قصصا قصيرة للأطفال، يكتب أيضا لفئة، هضم أفكارها جيدا، ومنحها زادا للمستقبل القرائي الذي ينتظرها. في روايته القلب الخشبي الصادرة منذ عامين، يفاجئنا عبد الغني برواية قصة توجد في بيوتنا كلنا، ولكن قد لا ينتبه إليها أحد، أو ربما ينتبه لكنه يعجز عن تلك الوقفات التأملية في الذاكرة الطفلة لاستعادتها، إنها قصة دولاب كبير من الخشب، به ضلفة للأم وضلفة للأب ومساحات كبيرة من العطف والحنان، تسع أشياء الصغار والكبار كلها، هناك حيث يمكنك أن تختبئ في أي وقت، إن كان ثمة من يطاردك، أن تعثر على الحلوى المخبأة دائما من عبث الصغار، وتأكلها كلها، أن تعثر على رائحة أبيك الراحل، وثيابه القديمة، ووثائق سفره أو امتلاكه لأشياء، أيضا يدسها عن الناس. لقد تحولت خزانة قديمة، من الخشب، إذن، إلى مستودع أسرار وتفاصيل لا يكتبها إلا حكاء ماهر، إنها رواية لكنها كتبت بعين القصة القصيرة، وقصة قصيرة، كتبت بدمع الرواية، الدولاب الكنز، والدولاب المأساة والدولاب الذي سيبكي الطفل عند فراقه، بسبب الاضطرار. ورأيي أن عبد الغني من القلائل الذين يستطيعون التنقل بين أزمان مختلفة، ويعودون إلى زمنهم، يستطيع أن يكون الطفل الصغير فجأة، والناضج، وأيضا الكهل حين يروي عن جد أو جدة( حبوبة)، هو يستخدم مفرداتنا المحلية حين يأتي ذكر الجدة، لكأنما هي هويتنا بالفعل، والذي عاش في زمن الجدات القديمات، راويات الحكايات قبل النوم، ومانحات الملاليم التي تكفي لجلب الحلوى، يدرك بالفعل أن الجدة هي الوطن الذي يفتقده الكثيرون من أجيال الزمن الحاضر.