29 أكتوبر 2025

تسجيل

الدرس التركي في دحر الانقلاب

17 يوليو 2016

ليلة السبت الماضي اجتمع الجميع لمشاهدة الشاشات الإخبارية لمتابعة أخبار الانقلاب الفاشل في تركيا، كان الأمر مستغربا ولا يتناسق مع ما تشهده تركيا من تطور وتقدم ونماء، وواصل الغالبية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي متابعة الحدث المهم، حتى الصباح الباكر، وبعد أن تم تأكيد فشل العملية الانقلابية ظهرت مصادر الفرح في تغريدات وهاشتاقات أثبتت مدى ارتياحهم لفشل المحاولة. ما يعنيني هنا بعد انقضاء الغمة والليلة حالكة السواد، كما تم وصفها في رسائل غير مباشرة، أن تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائها بن علي يلدريم وأعضاء من الحكومة ورجالات من الجيش والشعب أعطوا دروسا مهمة، يجب أن تأخذ حقها من الاهتمام والدراسة، عندما خرج الرئيس أردوغان في اتصال هاتفي مرئي لم يسع إلا أن يوصل رسالة ليتأكد من أن الشعب الذي عمل في خدمته طوال العقدين الماضيين وصل لمرحلة النضج والدفاع عن مكتسباته وحقوقه الديمقراطية، وكان يتحدث بثقة وقوّة ملحوظه وهدوء يوضح رباطة جأشه وصلابته، وما أن وجه الدعوة حتى اكتظت الميادين ومطار أتاتورك بالمواطنين، ورددوا هتافات برفض الانقلاب ودعم الحكومة الحالية والتمسك برئيسهم الذي اختاروه بأنفسهم لأول مرة في تركيا، وحدث العد العكسي لاضمحلال الانقلاب، وصرح رئيس الوزراء يلدريم بأن المحاولة قام بها حفنة صغيرة وستتم محاسبتهم، وقام جمع من المواطنين باسترجاع القناة التركية الرسمية من أفراد الجيش، وتم أسر عدد كبير منهم للقوى الأمنية دون مقاومة تذكر، وهذا دليل على أن غالبيتهم قاموا بتنفيذ الأوامر عسكريا. تعجز الكلمات عن الوصف والتحدث، ولكن درس الشعب التركي الذي عرف الرعاية والتعليم والصحة؛ لدرجة أن بلادهم أصبحت رقما صعبا على مستوى العالم في الصناعة والتصدير، أرداوا المحافظة على كل هذه المكتسبات والبقاء عليها، الصـــور كثيرة والملاحظات أكثر، فما زلت أتذكر صورة المرأة التركية الكبيرة في السن وهي تحمل عصا وتقول "أين الانقلابيين لأضربهم"، ألم يتعلموا من الانقلابات السابقة وما حدث مؤخرا في بعض دول المنطقة، وكذلك أحد رجال تركيا وهو رجل متقدم في السن في مقطع فيديو مصور يبكي ويبتهل إلى الله أن يفشل الانقلاب ويحفظ تركيا ورئيسها ومواطنيها من شر الانقلابات والانقلابيين، والكثير الذي لا يتسع المجال لذكره. نجح أردوغان ونجحت تركيا في بناء شعب واع ويعي مصلحة بلاده والحفاظ عليه، ولم ننم حتى ظهر أردوغان في الخامسة من صباح الأمس في مؤتمره الصحفي ليعلن فشل الانقلاب، ومجرد ظهوره كان إعلان القضاء على الانقلاب، ومن راهن على شعبه يبقى ويسعد، وليس أدل على ذلك من مشيه في الشارع المكتظ بالجماهير الغفيرة، وكأني بأحد حرّاسه يقول له فخامة الرئيس الوضع لا يساعد على ذلك، أرجو أن تسمح لنا بمغادرة المكان، وكأني أسمع برده على من حوله وهو يقول: ويحك من أتى بنا لهذا المنصب هم الشعب، ومن أفشل المحاولة الانقلابية هم الشعب، ومن ظللنا نخدمه لأكثر من عقدين هم الشعب !! أتريد أن أخاف منهم وهم السند والعون بعد الله... ولا يفوتني أن أشكر قناة الجزيرة على حرفيتها ومهنيتها التي نقلت الحدث أولا بأول دون مبالغة، وشكرا لمساجد تركيا التي كان لها أثر بالغ من خلال التكبيرات في شحذ الهمم في نفوس المواطنين . وأخيرا وليس آخرا شكرا لدولتنا الحبيبة قطر التي تثبت دائما أن مواقفها ثابتة لا تتغيّر، فكانت من أولى الدول التي استنكرت المحاولة الانقلابية، فاللهم احفظ قطر واحفظ تركيا وجميع دول المنطقة من الانقلابات وشر الفتن.