29 أكتوبر 2025

تسجيل

منزلة التذكر

17 يوليو 2014

ما زلنا نعيش مع منزلة التذكر وموقعها من منزلة التفكر، يقول ابن القيم رحمه الله: منزلة التذكر من التفكر منزلة حصول الشيء المطلوب بعد التفتيش عليه، ولهذا كانت آيات الله المتلوَّة والمشهودة ذكرى، كما قال في المتلوة {ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب} وقال عن القرآن {وإنه لتذكرة للمتقين} وقال في آياته المشهودة {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب}. فالتبصِرة آلة البصر، والتذكِرة آلة الذِّكر، وقرن بينهما وجعلهما لأهل الإنابة، لأن العبد إذا أناب إلى الله أبصر مواقع الآيات والعبر، فاستدل بها على ما هي آيات له، فزال عنه الإعراض بالإنابة، والعمى بالتبصرة، والغفلة بالتذكرة، لأن التبصرة توجب له حصول صورة المدلول في القلب بعد غفلته عنها، فترتيب المنازل الثلاثة أحسن ترتيب، ثم إن كلا منها يمد صاحبه ويقويه ويثمره.وقال تعالى في آياته المشهودة {وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}.ومن أجمل ما أورده الإمام ابن القيم في تقسيم القلوب قوله: الناس ثلاثة: 1- رجل قلبه ميت، فذلك الذي لا قلب له، فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقه.2- رجل له قلب حي مستعد، لكنه غير مستمع للآيات المتلوة التي يخبر بها الله عن الآيات المشهودة إما لعدم ورودها، أو لوصولها إليه ولكن قلبه مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب، ليس حاضرا، فهذا أيضا لا تحصل له الذكرى مع استعداده ووجود قلبه.3- رجل حي القلب مستعد، تليت عليه الآيات، فأصغى بسمعه، وألقى السمع وأحضر قلبه، ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب، ملقي السمع، فهذا القِسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوة والمشهودة.