14 سبتمبر 2025
تسجيلنتوقف اليوم أمام قوله تعالى في سورة الفتح (سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا {23}) (سنة الله التي قد خلت من قبل) أي سن الله غلبة أنبيائه سنة قديمة فيمن مضى من الأمم (ولن تجد لسنة الله تبديلا) أي تغييراً. ● قوله (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيراً {24}) (وهو الذي كف أيديهم) أي أيدي سفار مكة (عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة) أي في داخلها (من بعد أن أظفركم عليهم) وذلك أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على جند فهزمهم حتى أدخلهم حيطان مكة ثم عاد وقيل كان يوم الفتح وبه استشهد الإمام أبو حنيفة على أن مكة فتحت عنوة لا صلحاً (وكان الله بما تعملون) من مقاتلتهم وهزمهم أولا والكف عنهم ثانياً لتعظيم بيته الحرام (بصيراً) أى ناظرا فيجازيكم بذلك أو يجازيهم. ● قوله (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفاً أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماَ {25}) (هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى)أي ونحر الهدى وقوله تعالى (معكوفاً) حال من الهدى أي محبوسا وقوله تعالى (أن يبلغ محله) أي محبوساً من أن يبلغ مكانه الذي يحل فيه نحره وبه استدل الإمام أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - على أن المحصر محل هديه الحرم قالوا بعض الحديبية من الحرم وروى أن خيامه - صلى الله عليه سلم - كانت في الحل ومصلاه في الحرم وهناك نحرت هداياه - صلى الله عليه وسلم - والمراد صدها عن محلها المعهود الذي هو منى (ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم) لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم وهو صفة لرجال ونساء وقوله تعالى (أن تطؤوهم) أي توقعوا بهم وتهلكوهم (فتصيبكم منهم) أي من جهتهم (معرة) أي مشقة ومكروه كوجوب الدية أو الكفارة بقتلهم والتأسف عليهم وتعيير الكفار وسوء قالتهم والإثم بالتقصير في البحث عنهم وهي مفعله من عره إذا عراه ودهاه ما يكرهه (بغير علم) متعلق بأن تطؤهم أي غير عالمين بهم والمعنى لولا كراهة أن تهلكوا ناساً مؤمنين بين الكافرين غير عالمين بهم فيصيبكم بذلك مكروه لما كف أيديكم عنهم وقوله تعالى (ليدخل الله في رحمته) متعلق بما يدل عليه الجواب المحذوف كأنه قيل عقيبة لكن كفها عنهم ليدخل بذلك الكف المؤدي إلى الفتح بلا محذور في رحمته الواسعة بقسميها (من يشاء) وهم المؤمنون فإنهم كانوا خارجين من الرحمة الدنيوية التي من جملتها الأمن مستضعفين تحت أيدي الكفرة وأما الرحمة الأخروية فهم وإن كانوا غير محرومين منها بالمرة لكنهم كانوا قاصرين في إقامة مراسم العبادة كما ينبغي فتوفيقهم لإقامتها على الوجة الأتم إدخال لهم في الرحمة الأخروية وقد جوز أن يكون من يشاء عبارة عمن رغب في الإسلام من المشركين ويأباه قوله تعالى (لو تزيلوا) الخ فإن فرض التزيل وترتيب التعذيب عليه يقتضى تحقيق المباينة بين الفريقين بالإيمان والكفر قبل التزيل حتماً أي لو تفرقوا وتميز بعضهم من بعض وقرئ لو تزايلوا (لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً) بقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها.